الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


14. ارض

في اللغة:

“ فكل شيء يسفل ويقابل السماء [ هو ارض ] يقال لأعلى الفرس سماء ولقوائمه ارض، قال:

وأحمر كالديباج اما سماؤه *** فرّيا واما ارضه فمحو

لسماؤه: أعاليه، وارضه: قوائمه والأرض: التي نحن عليها “

( معجم مقاييس اللغة مادة ارض ).

“ والأرض أيضا أسفل قوائم الدابة وكل ما استقر عليه قدماك وكل ما سفل. .. “ ( محيط المحيط. بطرس البستاني ).

في القرآن:

لقد وردت كلمة ارض في القرآن دائما مفردة، فلم تجمع وان كانت قد أضيفت إلى لفظ الجلالة وإلى “ ضمير متصل “.

“ ارض اللّه “ “ ارضي “ “ أرضكم “ “ ارضنا “ “ ارضهم “.

وفي أكثر الأحيان نجد “ الأرض “ في مقابل “ السماء “، وهي لم تخرج عن كونها تشير إلى الأرض التي يعيش عليها الانسان.

عند الشيخ ابن العربي:

لقد وردت كلمة “ ارض “ عند الشيخ ابن العربي في صيغة المفرد والجمع 1، واتخذت عدة معان:

****

الأرض هي صفات الخلق في مقابل صفات الحق ( سماء )، والسفل 2 في مقابل العلو ( سماء )، وعالم الفساد في مقابل عالم الصلاح ( سماء ).

يقول:

“ ( 1 )فان كنت سماء مع بقاء ارضيتك عليك في مقامها، وذلك هو الكمال، فإنه من رجال اللّه من يفني عينها [ عين ارضه ] لقوله تعالى :” كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ “[ 55 / 26 ] فالعارف انتقل من ظهرها إلى بطنها، فما فني عنها بل تحقق بها، كذلك فليكن [ فلتكن ] “( ف 4 / 433 ).

يظهر من هذا النص كيف ان ارض العارف هي: صفات الخلق فيه المقابلة لصفات الحق فيه، ويريد الشيخ ابن العربي ان ينفي فناء الانسان عن صفاته ويوجب التحقق بها. ( انظر “ فناء “ ).

“ ( 2 )كما قال اللّه تعالى 3 انه ما خلق “ السماوات “ وهو كل عالم علوي، “ والأرض “ وهو كل عالم سفلي، السماء من عالم الصلاح والأرض من عالم الفساد، ومنه اشتقت اسم الأرضة لما تفسده في الثياب والورق والخشب، ويسمى أيضا السوس والعث. “ وما بينهما الا بالحق. .. “ ( ف 2 / 285 )”.

" وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً4 ولست اعني بالسماء هذه المشهودة المعلومة فهي إشارة إلى الرفع، والأرض [ إشارة ] إلى الخفض. .. فقد يكون في السماء من هو من أهل الأرض. .. وقد يكون في الأرض من هو من أهل السماء “ ( ف 4 / 438 - 439 ).

****

الأرض هي العالم الذي نعيش على سطحه 5 مع بدن الانسان المخلوق منه - وهي محل ظهور 6 الرزق.

ففي حين ان الأرض هي العالم 7 الذي نعيش عليه، لا يغفل الشيخ ابن العربي لحظة اننا خلقنا من تراب هذه الأرض، واننا منها وفيها وبالتالي نحن هي.

فبدن الانسان أو نشأته البدنية هي “ الأرض “ 8 التي يعيش فيها، ويكون بذلك كوكب الأرض وبدن الانسان مضمونا واحدا لكلمة “ ارض “، ويظهر هذا المضمون من كلام الشيخ ابن العربي على الأرض بأنها محل لظهور الارزاق.

ومحل الظهور هذا ليس الا العالم وبدن الانسان، يقول:

“ الأرض بما فيها من القبول والتكوين للارزاق فإنها محل ظهور الارزاق “

( ف 4 / 115 ).

“ فإذا نظر الانسان إلى نشأته البدنية قامت معه الأرض التي خلق منه وجعل منها غذاءه، وما به صلاح نشأته، لم يرزقه اللّه في العادة من غيرها “

( ف 3 / 249).

****

الأرض هي الخلق في مقابل زينتها ( الحق ).

يقول :” إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها9، وليس الأرض في الاعتبار سوى المسمى خلقا، وليس زينتها 10 سوى المسمى حقا “ ( ف 4 / 250 ).

..........................................................................................

( 1 ) لقد جمع الشيخ ابن العربي “ ارض “: “ ارضون “ ( انظر الفتوحات ج 3 الرسم في ص 424 ) وهو بهذا منسجم مع التعبير العربي السليم. يقول الحريري: “ يقولون في جمع ارض: أراضي، فيخطئون فيه لان الأرض ثلاثية، والثلاثي لا يجمع على افاعل والصواب ان يقال في جمعها ارضون بفتح الراء. .. “ ( درة الغواص في أوهام الخواص ص 29 )

والنحويون يدعون هذا الجمع ملحقا بجمع المذكر السالم.

( 2 )ان “ السفل “ عند الشيخ ابن العربي يتخطى المفهوم المكاني إلى صفة الانفعال، فكل “ سفلي “ “ منفعل “، راجع “ أم سفلية “. وهكذا تأخذ الأرض مفهوم القابل والمنفعل، وهذا ورد عند السهر وردي واتضح بتوسع عند صدر الدين الشيرازي.

يقول هنري كوربان:

( 3 ) الآية :” وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَم بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ “( 15 / 85 ).

( 4 )” وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً. “( 13 / 15 ).

( 5 ) ننقل هنا نصا للحكيم الترمذي من كتاب سلوة العارفين وبستان الموحدين، يظهر بصورة تمثيلية وطأة وجود الأرض كحي عاقل يقول:

“ عن ثوبان رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ان الأرض لتنادي كل يوم سبعين مرة يا بني آدم كلوا ما شئتم واشتهيتم فو اللّه لاكلن لحومكم وجلودكم. هذا نداء متسخط فيه وعيد. .. فاما الأنبياء والأولياء عليهم السلام فلا تسخط الأرض عليهم بل تفرح بكونهم على ظهرها. .. فإذا وجدتهم في بطنه ضمتهم ضمة الوالدة الوالهة بولدها. .. فالأرض أذل وأقل من أن تجترىء عليه. .. فإذ كانت النار تخمد لممر عبد [ إبراهيم عليه السلام ] فكيف تجترىء الأرض على اكله. .. “ ( ص 227 طبع استانبول ).

( 6 ) ان الأرض هي محل ظهور الرزق، نشدد على كلمة ظهور، لان الرزق ل ينحصر بما تعطيه الأرض من خيرات بل يتعداها إلى ما تتقوم به نشأة الانسان وهو اللّه. فيكون العالم أو الأرض أو بدن الانسان محلا للظهور.

راجع كلمة “ رزق “.

( 7 ) يقول أبو العلا عفيفي في تعليقه على الفص الخامس والعشرين: “ فالأرض وما يخرج منها من ألوان النبات رمز للعالم “ ( فصوص 2 / 298 ).

( 8 ) ان بدن الانسان هو الأرض التي يعيش فيها، ولكن لا نستطيع ان نقول إنها ارضه [ انظر “ أرض الانسان “ ]، لأنها ارض اللّه [ انظر “ الأرض الإلهية الواسعة “ ]

( 9 ) الآية :” إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَه لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا “( 18 / 7 )

- يرى ابن عباس ان زينة الأرض هي من عليها من الرجال والنساء، أو النبات والشجر والدواب: “( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ )من الرجال والنساء ( زينة لها ) زهرة للأرض. ..

ويقال :( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ ) من النبات والشجر والدواب والنعيم ( زينة لها ) زهرة للأرض. .. “ ( تنوير المقباس من تفسير ابن عباس - المكتبة الشعبية - بيروت ص 244).

- اما النسفي فيجد ان زينة الأرض هي الصالح من زخرفها: “( إِنَّ جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها ) اي ما يصلح ان يكون زينة لها ولأهله من زخارف الدنيا وما يستحسن منها “.

( تفسير النسفي - نشر دار الكتاب العربي بيروت ج 3 ص 3 ).

- اما اللغة فتعرف الزينة: “ الزاء والياء والنون أصل صحيح يدل على حسن الشيء وتحسينه. .. وأزينت الأرض وازينت وازدانت إذا حسّنها عشبها “.

(معجم مقاييس اللغة. أحمد بن فارس ).

- والشيخ ابن العربي لم يخرج في مفهومه للزينة عن هذا النهج، يقول في بيان معنى “ اعفاء اللحية “ في الحديث الشريف “ احفوا الشارب واعفوا اللحى “:

“ فمن فهم من هذا الحكم طلب الزينة الإلهية في قوله” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ “[ 7 / 32 ] نظر في لحيته، فان كانت الزينة في توفيرها وان ل يأخذ منها شيئا تركها، وان كانت الزينة

اظهر في أن يأخذ منها قليلا حتى تكون معتدلة تليق بالوجه وتزينه اخذ منها. .. “

( ف 4 / 303 ).

( 10 ) ان كلمة زينة وردت في القرآن مفردة، ومضافة، وموصوفة بالجار والمجرور الذي هو ضمير يرجع إلى الأرض. أضيفت إلى لفظ الجلالة ( 7/32 ) وإلى الحياة الدنيا ( 18 / 28 - 18 / 46 - 37 / 6 ) وإلى القوم ( 20 / 87 ) وإلى الضمائر: زينتهن ( 24 / 31 ) زينتكم ( 7 / 31 ) اما إلى الأرض فإنها وردت موصوفة بالجار والمجرور الذي هو ضمير يرجع إلى الأرض.

ولم ترد سوى مرة واحدة.

وهي الآية التي أشرنا إليها في الحاشية السابقة.

* * * *


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!