الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


13. الإذن الإلهيّ

في اللغة:

“ الهمزة والذال والنون أصلان متقاربان في المعنى 1 متباعدان في اللفظ، أحدهما آذن كل ذي اذن، والاخر العلم وعنهما يتفرع الباب كله. .. والأصل الاخر العلم والاعلام تقول العرب: قد اذنت بهذا الامر اي علمت. .. والمصدر الاذن والايذان وفعله باذني اي بعلمي ويجوز بأمري، وهو قريب من ذلك. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ اذن “ ).

في القرآن:

( 1 ) وردت كلمة الاذن في القرآن بمعنى الامر الإلهي، أو التيسير الإلهي المنبه إلى الفاعل الحقيقي، الذي هو اللّه .” وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ2 “ ( 2 / 102 )” وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ3 “ ( 3 / 49 )” ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ4 “ ( 59 / 5 )

( 2 ) بمعنى العلم والاعلام:

( )” فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ5 “ ( 2 / 279 )

( ب )” وَأَذِّنْ 6 فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ “ ( 22 / 27 )” فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ 7عَلى سَواءٍ “ ( 21 / 109 )

عند الشيخ ابن العربي:

* الاذن الإلهي: هو التمكين الإلهي الذي يحفظ على المحل المرتبة أو الصفة الفاعلة، أو تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته. فالعلة لا تستقل بالفعل بل يمكنها اللّه من الفعل، وهذا التمكين يعبر عنه بالاذن الإلهي.

فالاذن الإلهي مرتبط ارتباطا مباشرا بمفهوم السبب وفعاليته، فالسبب أو العلة ليسا كافيين لوجود المسبب أو المعلول، بل إن اللّه يخلق الفعل عندهما، فيخيل للناظر ان السبب هو الذي فعل فعله بالمسبّب، وفي الواقع ان اللّه هو الفاعل عند وجود السبب 8

فالمشاهد يؤخذ بالتوالي شبه الحتمي للمسبّب عن السبب، فيظن ان الأثر للسبب، وما هذا التوالي الذي يحفظه اللّه للسبب سوى: الاذن الإلهي.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ واعلم أن العالم. .. لا تأثير له من ذاته، انما الحق سبحانه جعل لكل شيء منه مرتبة في التأثير والتأثر على حد معلوم. .. ومكّن سبحانه كل ذي مرتبة من مرتبته وجعلهم فيها على مقامات معلومة، تمكينا يبقيه عليهم ما شاء ويعزلهم عنه إذ شاء، وعبر سبحانه عن هذا التمكين بالاذن وعن عدم التمكين بالاذن. ..

فمعنى الاذن تمكين المؤثر من التأثير في مرتبته، لا الإباحة والتخيير، ولو كان معناه التخيير لما قال” وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّ بِإِذْنِ اللَّهِ “[ 2 / 102 ]. ..

فتبين بما ذكرناه ان افعال الخلق كلها باذنه، الذي هو تمكينه لهم وابقاء مرتبة التأثير عليهم. .. انه لا فاعل الا اللّه وان تأثير الأكوان من حيث ابقاؤه عليها مرتبة التأثير التي وهبها لها. .. “ ( بلغة الغواص ص ص 81 / 83 ).

****

الاذن الإلهي: هو الامر الإلهي الظاهر بالاستعداد في المسبّب وهو صنو المشيئة في تكوين القدر.

( 1 ) يستعمل الشيخ ابن العربي كلمة الاذن الإلهي مراد فاللامر، وهو مشابه للمعنى الأول، لان الامر هو تمكين الهي يؤثر من خلاله المؤثر في المؤثر فيه.

يقول في تفسيره للآية :” ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ “[ 59 / 5 ] والاذن: الامر الإلهي. امر بعض الشجر ان تقوم فقامت، وامر بعض الشجر ان

تنقطع فانقطعت باذن اللّه لا بقطعهم. .. فان اذن اللّه لها في هذه الصورة كالاستعداد في الشيء، فالشجرة مستعدة للقطع فقبلته من القاطع فقوله: فباذن اللّه، يعني للشجرة كقوله “ فيكون طائرا باذني. .. “ ( ف 2 / 142- 143 ).

“ فيقوم [ الطائر ] حيّا بالاذن الإلهي، الساري في تلك النفخة [ نفخة عيسى ] وفي ذلك الهواء. ولولا سريان الاذن الإلهي، ما حصلت حياة في صورة أصلا “ ( الفتوحات السفر الثالث فق 44 - 1 ).

( 2 ) كما أن الشيخ الأكبر يجعل القدر وجهين:

مشيئة واذن، فالقدر هو ما شاء اللّه واذن به فكان.

يقول: “ حذّر صلّى اللّه عليه وسلم ان تهلك أمته كما هلكت الأمم قبلها بنسيان القدر الذي هو المشيئة والاذن 9، إذ النفوس شديدة التعلق والانس بالأسباب. .. “ ( بلغة الغواص ص 85 ).

..........................................................................................

( 1 ) لبيان تقارب الأذن والاذن لابد لنا من أن نشير عرضا إلى بلاغة اللغة العربية حين اشتقت عضو السمع وهو الأذن من لفظ الإذن، بمعنى العلم من أصل واحد، إذ تكشف البحوث السيكولوجية عن هذه العلاقة الوثيقة، فحاسة السمع عقلية وله أهمية كبيرة في تلقي العلم لمزاياها الموضوعية المتعددة.

( 2 ) راجع البيضاوي شرح الآيتين 2 / 97 و 2 / 102 حبث يجد ان الاذن هو الامر الإلهي أو التيسير ( أنوار التنزيل ج 1 ص ص 32 - 33 )

( 3 ) قال البيضاوي في شرحه للآية 49 من سورة آل عمران ما يلي: “ فيصير [ الطير ] حيا بأمر اللّه نبه به على أن احياءه من اللّه تعالى لا منه [ عيسى ]. .. كرر باذن اللّه دفعا لتوهم الألوهية فان الاحياء ليس من جنس الافعال البشرية “ ( أنوار التنزيل ج 1 ص 67 )

( 4 ) انظر أنوار التنزيل ج 2 ص 255

( 5 ) انظر أنوار التنزيل ج 1 ص 60

( 6 ) اذن - اعلم. ومن هنا كان الآذان [ في وقت الصلاة ] هو الاعلام.

( 7 ) آذنتكم: أعلمتكم

( 8 ) راجع “ اثر “

( 9 ) يعرف الحاتمي القدر قائلا:

“ والقدر: توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد “ ( فصوص 1 / 131 ) وفي هذا التعريف إشارة إلى المشيئة والاذن. من حيث إن المشيئة هي: ما هي عليه الأشياء في عينها.

والاذن: هو التوقيت. راجع “ مشيئة “.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!