الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن والثمانون ومائة في معرفة مقام الرؤيا وهي المبشرات]

و قال في الباب الثامن والثمانين ومائة في حديث «إن رؤيا المسلم على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها وقعت» . اعلم أن للّه تعالى ملكا موكلا بالرؤيا يسمى الروح وهو دون السماء الدنيا بيده صور الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره، وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكون فإذا نام الإنسان وكان صاحب غيبة، وفناء، وقوة إدراك لا تحجبه المحسوسات في يقظته عن إدراك ما بيد هذا الملك من الصور فيدرك هذا الشخص بقوته في يقظته ما يدركه النائم في نومه وذلك أن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوسات إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدم الدماغ فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم، والغائب، والفاني من إدراك المعاني متجسدة ونحو ذلك، فيرى الحق في صورة وأطال في ذلك. ثم قال: فعلم أن كل من عبر الرؤيا لا يعبرها حتى يصورها في خياله فتنتقل تلك الصورة عن المحل الذي كانت فيه حديث نفس وتحزينا من شيطان إلى خيال العابر لها ثم إن اللّه تعالى إذا أراد أن يري أحدا رؤيا جعل لصاحبها فيما رآه حظا من الخير والشر بحسب ما تقتضيه رؤياه، فيصور اللّه تعالى ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر كما يخلق من الأعمال صورا ملكية روحانية جسدية برزخية قال: وإنما جعلها في صورة طائر لأنه يقال: طار سهمه بكذا والطائر الحظ قال تعالى: طٰائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: 19] . أي: حظكم، ونصيبكم معكم من الخير، والشر، وتجعل الرؤيا معلقة برجل هذا الطائر وهي عين الطائر فإذا عبرت سقطت لما عبرت له وعندما تسقط ينعدم الطائر لأنه عين الرؤيا فينعدم لسقوطها وتتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا فترجع صورة الرؤيا عين الحال لا غير فتلك الحال إما عرض وجوهر وإما نسبة من ولاية وغيرها هي عين صورة تلك الرؤيا وذلك الطائر ومنه خلقت ولا بد كما خلق آدم من تراب ونحن من ماء مهين وأطال في ذلك ثم قال: وإنما كان صلى اللّه عليه وسلم، إذا أصبح يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم رؤيا» . لأن الرؤيا من أجزاء النبوة لأنها مبتدأ الوحي فكان صلى اللّه عليه وسلم، يحب أن يشهدها في أمته والناس في غاية الجهل بهذه المرتبة التي كان صلى اللّه عليه وسلم يعتني بها ويسأل كل يوم عنها والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم وفي الغيبة والفناء لم يرفعوا به رأسا وقالوا بالمنامات: يريد هؤلاء أن يدركوا مدارك الصالحين ويستهزئون بالرائي إذا اعتمد عليها وهذا جهل بمقامها قال: واعلم أن محل الرؤيا النشأة العنصرية فليس للملك رؤيا وذلك لأن مكان الرؤيا ما تحت مقعر فلك القمر خاصة لو قدر أن شخصا خرج من مكان الرؤيا لا يرى بعد ذلك رؤيا لأنه لا يقوم به صفة النوم وأطال في ذلك.

(قلت) : ذكر الشيخ شروطا فيمن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، في الباب التاسع عشر وأربعمائة وكذلك في الباب الخامس والثلاثين وثلاثمائة والباب الأربعين وخمسمائة، ما له تعلق برؤية اللّه ورؤية رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وذكر في الرؤيا والمبشرات، وأن الرؤيا أعم والمبشرات أخص فإن الإنسان قد يرى ما يحدث به نفسه وما يلعب به الشيطان ويحزنه ولو لم يكن ذلك أثر فيمن رآها لنفسه ورؤيت له ما أثبت الشارع لذلك الخوف من بلاء وهو أمر صاحب الرؤيا المفزعة أن يتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ باللّه من شر ما رأى فإنها لا تضره ثم يتحول عن شقه الذي كان نائما عليه حين الرؤيا إلى شقه الآخر فإنها تتحول بتحوله ولا تضره وذلك كما يحول الإنسان رداءه في الاستقاء فيحول اللّه حالة الجدب بالخصب واللّه أعلم


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!