الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثمانون وأربعمائة في حال قطب كان منزله وآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا]

و قال في الباب الثمانين وأربعمائة في قوله صلى اللّه عليه وسلم «في الغيث إنه حديث عهد بربه» أي قريب التكوين وكذلك عيسى عليه السلام لما لم يكن عن أب عنصري لم يحل بينه وبين إدراك قربه من اللّه حائل لبعده عن عالم الأركان في خلقه فلم يكن ثم ما يغيبه عمن صدر عنه فقال وهو صبي في المهد مخبرا عما شاهده من الحال ما قال من جهة براءة أمه وبرأها اللّه بنطقه عما كانوا افتروا عليها فكان نطقه أحد الشاهدين، وتحنين الجذع إليه هو الشاهد الثاني وقد اكتفى بالشاهدين العدلين في الحكومات ولا أعدل من هذين، قال: وكان نطقه أن قال: إني عبد اللّه فحكم على نفسه بالعبودية للّه، وما قال: ابن فلان لأنه لم يكن ثم آتاني الكتاب فحصل له الحكمة قبل بعثه فكان على بينة من ربه وجعلني نبيا فحكم بأن النبوة بالجعل وجعلني مباركا أي خصني بزيادة لم تحصل لغيري وتلك الزيادة هي ختمه لدورة الولاية ونزول آخر الزمان وحكمه بشرع محمد صلى اللّه عليه وسلم وذلك ليرى ربه يوم القيامة في المرآة المحمدية التي هي أكمل المرايا أينما كنت دنيا وأخرى وأَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ [مريم: 31] ، يعني: المفروضة في أمة محمد أن أقيمها إذا نزلت لأنه جاء بالألف واللام فيها واَلزَّكٰاةِ [مريم:31] كذلك مٰا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31] زمان التكليف وهو الحياة الدنيا وبَرًّا بِوٰالِدَتِي [مريم: 32] لأنها محل تكوينه ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا [مريم:32] وذلك لا يكون إلا من الجهل والأنبياء تنزّه عن ذلك واَلسَّلاٰمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ [مريم: 33] ومعناه: السلامة من إبليس الموكل بطعن الأطفال عند الولادة حين يصرخ الولد إذا خرج من طعنته فلم يصرخ عيسى بل وقع ساجدا للّه حين خرج ويَوْمَ أَمُوتُ [مريم:33] تكذبيا لمن افترى عليه إنه قتل لأنه لم يقل: ويوم أقتل ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم: 33] في القيامة الكبرى فكان في إتيانه الحكم صبيا رضيعا في المهد بيان تمام وصلته بربه وأنه أتم من يحيى ابن خالته لأن عيسى سلم على نفسه بسلام ربه ولهذا ادعي فيه أنه إله ويحيى سلم عليه ربه تعالى وأطال في ذلك.

ثم قال: واعلم أن الناس إنما كانوا يستغربون الحكمة من الصبي الصغير دون الكبير، لأنهم ما عهدوا إلا الحكمة الحاصلة عن الفكر والرؤية وليس الصبي في العادة بمحل لذلك فيقولون: إنه منطق بها فتظهر عناية اللّه بهذا المحل الطاهر فزاد يحيى وعيسى بأنهما على علم بما نطقا به علم ذوق لأن ظهور مثل ذلك الزمان والسن لا يصحّ إلا ذوقا فإن اللّه آتاه الحكم صبيا وهو حكم النبوة الذي لا يكون إلا ذوقا. قال الشيخ: وقد قلت مرة لابنتي زينب وهي في سن الرضاعة قريبا عمرها من سنة ما تقولين في الرجل يجامع مع حليلته ولم ينزل فقالت: 538 يجب عليه الغسل فتعجب الحاضرون من ذلك ثم إني فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة في مكة وكنت أذنت والدتها في الحج، فجاءت مع الحاج الشامي فلما خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع، فقالت بصوت فصيح قبل أن تراني أمها: هذا أبي، وضحكت ورمت بنفسها إلي.

قال: وقد رأيت من أجاب أمه بالتشميت وهو في بطنها وكان اسمه الشيخ عبد القادر بدمشق وكذلك ذكره أيضا في الباب الثالث وثلثمائة. وقال: شهد على الثقات بذلك ولم يذكر أنه سمعه وهو في بطنها حين عطست وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها. (قلت) : وقد تقدم في الباب الثاني والخمسين نحو ذلك فتزاد هذه القصة على ما نظمه الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه اللّه بقوله: تكلم في المهد النبي محمد وموسى وعيسى والخليل ومريم
و مبرى جريج ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
و طفل عليه مر بالأمة التي يقال لها تزني ولا تتكلم وماشطة في عهد فرعون طفلها وفي زمن الهادي المبارك يختم وبنت لمحيي الدين قدس سره
و عم بنا جمعا وذلك متمم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!