الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثاني والعشرون وأربعمائة في معرفة منازلة «من رد إلي فعلى فقد أعطاني حقي وأنصفني من مالي عليه»]

و قال في الباب الثاني والعشرين وأربعمائة: قد عفا اللّه عن جميع الخواطر التي لا تستقر عندنا إلا بمكة كما مر إيضاحه في الباب التاسع والستين وثلاثمائة. وقال في قوله تعالى: فَأَمّٰا مَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ ( 6 ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رٰاضِيَةٍ (7) وأَمّٰا مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ ( 8 ) فَأُمُّهُ هٰاوِيَةٌ (9) ومٰا أَدْرٰاكَ مٰا هِيَهْ ( 10 ) [القارعة: 6 - 10] اعلم أن الميزان يوم القيامة يظهر بصورة نشأة الخلق من الثقل لأنهم إنما يحشرون وينشرون في الأجسام الطبيعية فمن ثقلت موازينه فهو السعيد فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ألف فما فوق ذلك، وقد فعل هذا حسنا في ظاهر بدنه وأراد حسنا في باطنه وأما الذي خفت موازينه وهو الشقي فلأنه فعل سيئا والسيئة بواحدة فخفت موازينه بالنسبة إلى ثقل ميزان السعيد قال: ولم يعتبر الحق تعالى في الوزن إلا كفة الخير لا كفة الشر، فهي الثقيلة في حق السعيد الخفيفة في حق الشقي، مع كون السيئة غير مضاعفة ومع هذا فقد خفت كفة خيره، فالكفة الثقيلة للسعيد هي بعينها الخفيفة للشقي لقلة ما فيها من الخير وعدمه بالكلية مثل الذي يخرجه اللّه من النار وما عمل خيرا قط، فميزان هذا ليس في كفة اليمين منه شيء أصلا وليس عنده إلا ما في قلبه من التوحيد الحاصل من العلم الضروري وليس له في ذلك تعمل مثل سائر الضروريات فلو اعتبر الحق في الثقل والخفة الكفتين معا كفة الخير وكفة الشر لكان يزيد بيانا في ذلك، فإن إحدى الكفتين إذا ثقلت خفت الأخرى بلا شك خيرا كان وشرا، هذا حكم وزن الخير والشر، وأما إذا وقع الوزن للعبد فيكون هو في إحدى الكفتين وعمله في الأخرى فذلك وزن آخر فمن ثقل ميزانه نزل عمله إلى أسفل وذلك لأن الأعمال في الدنيا من مشاق النفوس والمشاق محلها النار فتنزل كفة عمله تطلب النار وترتفع الكفة التي هو فيها لخفتها فيدخل الجنة لأنها العلو والشقي تثقل كفة الميزان التي هو فيها وتخف كفة عمله فيهوي في النار وهو قوله: فَأُمُّهُ هٰاوِيَةٌ ( 9 ) [القارعة: 9] . فكفة ميزان العمل هي المعتبرة في هذا النوع من الوزن الموصوفة بالثقل في السعيد لرفعه صاحبها والموصوفة بالخفة في حق الشقي لثقل صاحبها وهو قوله: يحملون أوزارهم على ظهورهم، وليس إلا ما تعطيهم من الثقل الذي يهوون به في نار جهنم. وحاصل ذلك أن وزن الأعمال بعضها ببعض يعتبر فيه كفة الحسنات ووزن الأعمال بعاملها يعتبر فيه كفة العمل انتهى. فليتأمل ويحرر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!