الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثالث والثلاثون في معرفة أقطاب النيات وأسرارهم وكيفية أصولهم ويقال لهم النياتيون]

و قال في الباب الثالث والثلاثين: اعلم أن النية جميع أفعال المكلفين كالمطر لما تنبته الأرض فإن النية من حيث ذاتها واحدة وتختلف بالمتعلق وهو المنوي فتكون النتيجة بحسب المتعلق به لا بحسبها فإن حفظ النية إنما هو القصد للفعل وتركه كون الفعل حسن وقبيح وخير وشرا ما آثر النية ومن فهو أمر عارض عرض ميزه الشارع وعينه للمكلف فليس للنية أثر ألبتة من هذا الوجه خاصة كالماء فإن منزلته أنه ينزل ويسبح في الأرض، وكون الأرض الميتة تحيا به ويهدم بيت العجوز الفقيرة بنزوله ليس ذلك له فيخرج الزهرة الطيبة الريح والمنتنة والثمرة الطيبة والخبيثة، من حيث مزاج البقعة وطيبها، وخبث البزرة وطيبها قال تعالى: يُسْقىٰ بِمٰاءٍ وٰاحِدٍ ونُفَضِّلُ بَعْضَهٰا عَلىٰ بَعْضٍ فِي اَلْأُكُلِ [الرعد: 4] فإن نوى المكلف خيرا أثمر خيرا وإن نوى شرا أثمر شرا انتهى.

وسيأتي في الباب الثامن والستين ما له تعلق بالنية واللّه أعلم. وقال فيه: العارف يأكل في هذه الدار الحلوى، العسل، والكامل المحقق يأكل فيها الحنظل لا يلتذ فيها بنعمة لاشتغاله بما كلفه اللّه تعالى به من الشكر عليها وغير ذلك من تحمل هموم الناس، وقال في قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] ونحو قوله تعالى: وكٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ اَلْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقوله: وعَلَى اَللّٰهِ قَصْدُ اَلسَّبِيلِ [النحل: 9] الحق تعالى ينزه عن أن يدخل تحت حد الواجب الشرعي وإنما المراد أن العلم الإلهي إذا تعلق أزلا بما فيه سعادتنا كان ذلك الوجوب على النسبة من هذا الوجه بمعنى أنه لا بد من وجود تلك الطريق الموصلة إلى ذلك الأمر الذي تعلق به العلم مع كونه تعالى مختارا في ذلك. وقال فيه سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم أن الوارد الإلهي الذي هو صفة القيومية إذا جاءهم اشتغل الروح الإنساني عن تدبيره فلم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامه ولا قعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض وأطال في ذلك. وقال فيه: إنما كان الحيوان الذي يمشي على بطنه أضعف من غيره لقربه من أصله الذي عنه تكون وكل حيوان بعد عن أصله نقص من معرفته بأصله بقدر ما ارتفع عنه ألا ترى المريض لما رد إلى عجزه وضعف كيف تراه ضعيفا مسكينا لأن أصله حكم عليه لما قرب منه ثم إذا شفي واستوى قائما وبعد عن أصله تفرعن وتجبر وادعى القوة فالرجل من كان مع اللّه في حال صحته كحاله في مرضه ومسكنته وعجزه واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!