الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثالث وثلاثمائة في معرفة منزل العارف الجبرئيلي من الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الثالث والثلاثمائة: اختلف العلماء في الموت هل هو طلاق رجعي وبائن؟ فذهب قوم إلى أن المرأة إذا ماتت كانت من زوجها كالأجنبية ولا بد فليس له أن يكشف عليها وذهب آخرون إلى بقاء حرمة الزوجية فله أن يغسلها، وحاله معها كحاله في حياتها، فإن كان رجعيا فإن الأزواج ترد إلى أعيان هذه الأجسام من حيث جواهرها في البعث وإن كان بائنا فقد ترد إليها مع اختلاف التأليف وقد ينشئ اللّه تعالى أجساما أخر أصفى، وأحسن لأهل النعيم ولأهل الشقاء بالعكس ولكن الأول أظهر لقوله تعالى: بُعْثِرَ مٰا فِي اَلْقُبُورِ [العاديات: 9] فالموت طلاق رجعي واللّه أعلم. وقال في حديث: «و من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه» إنما لم يقل قد أدرجت النبوة في صدره، وبين عينيه، وفي قلبه، لأن تلك رتبة النبي لا رتبة الولي وأين الاكتساب من التخصيص فمن تعمل في تحصيل الولاية حصلت له وإن كان نفس التعمل في تحصيلها اختصاصا من اللّه أيضا يختص برحمته من يشاء فما اكتسبت الولاية إلا بالمشي في نور النبوة وأطال في ذلك وقال: كانت القوة التي ظهرت في أبي بكر الصديق يوم موت النبي صلى اللّه عليه وسلم، كالمعجزة في الدلالة على رسالة النبي، فقوي حين ذهلت الجماعة لأنه لا يكون صاحب التقدم في الإمامة إلا صاح غير سكران فكان هو الحقيق بالتقدم في ذلك اليوم لصحوه ولا يقدح في استحقاقه الخلافة كراهة بعض الناس له فإن ذلك مقام إلهي قال تعالى: ولِلّٰهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ واَلْأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً [الرعد: 15] .

وأطال في ذلك. ثم قال: فعلم أن تقدم الخلفاء بعضهم على بعض في الولاية على الناس على ما وقع به الترتيب لا يقتضي الجزم بتفضيل بعضهم على بعض بل ذلك راجع إلى اللّه، فإنه العالم بمنازلهم عنده ولم يعلمنا سبحانه بما في نفسه من ذلك فاللّه يحفظنا من الفضول انتهى.

(قلت) : ذكر الشيخ في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة، في الكلام على اسمه تعالى المعطي ما نصه: اعلم أن اللّه تعالى ما أمرنا باتباع ملة إبراهيم لكونه أحق بها من محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنما أمرنا بها لتقدمه في الزمان فيها فللزمان حكم في التقدم من حيث هو لا في المرتبة كالخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي كان من حكمة اللّه تعالى إعطاؤها لأبي بكر ثم عمر، ثم عثمان ثم علي، بحسب أعمالهم التي قدر اللّه وقوعها أيام ولاية كل واحد على التعيين وكل لها أهل في وقت أهلية الذي قبله ولا بد من ولاية كل واحد منهم وخلع المتأخر لو تقدم لا بد منه حتى يلي من لا بد له عند اللّه في سابق علمه من الولاية فرتب اللّه الخلافة ترتيب الزمان للأعمار حتى لا يقع خلع مع الاستحقاق في كل واحد من متقدم ومتأخر وما علم الصحابة ذلك إلا بالموت. قال ومع هذا البيان بقي أهل الأهواء في خوضهم يلعبون مع إبانة الصبح لذي عينين بلسان وشفتين انتهى. وقال أيضا في الكلام على اسمه تعالى الآخر من الباب المذكور ما نصه: اعلم أن حد الآخر من الثاني الذي يلي الأول إلى ما تحته فهو المسمى بالآخر لأن له حكم التأخر عن الأولية بلا شك وإن استحق الأولية هذا المتأخر فما تأخر عن الأول إلا لأمر أثبته الزمان لأن وجود الإلهية فيه من جميع الوجوه فالحكم في تأخيره وتقدم غيره للزمان لا للأفضلية في الحقيقة كخلافة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، رضوان اللّه عليهم أجمعين. فما من واحد إلا وهو مترشح للتقدم والخلافة مؤهل لها فلم يبق حكم لتقدم  بعضهم على بعض فما عند اللّه بفضل علم تطلبه الخلافة وما كان إلا الزمان فلما سبق في علم اللّه أن أبا بكر يموت قبل عمر، وعمر يموت قبل عثمان وعثمان يموت قبل علي، والكل له حرمة عند اللّه وفضل فقدم الحق سبحانه وتعالى في الخلافة من علم أن أجله يسبق أجل غيره من هؤلاء الأربعة وما قدم من قدم من الأربعة لكونه أكثر أهلية من المتأخر منهم في علمنا فلم يبق إلا حكم الآجال والعناية وفي الحديث إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما فلو بايع الناس أحد الثلاثة دون أبي بكر، فلا بد لأبي بكر أن يكون خليفة وخليفتان لا يجتمعان فإن خلع أحد الثلاثة وولي أبو بكر كان عدم احترام في حق المخلوع ونسب الساعي في خلعه إلى أنه خلع عن الخلافة من يستحقها ونسب إلى الهوى والظلم والتعدي في حقه ولو لم يخلع لما مات أبو بكر في أيامه دون أن يكون خليفة ولا بد له من الخلافة أن يليها في علم اللّه فلا بد من تقدمه لتقدم أجله قبل صاحبه وكذلك تقدم عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، والحسن فما تقدم من تقدم لكونه أحق بها من هؤلاء الباقين ولا تأخر من تأخر منهم عنها لعدم الأهلية قال: وما علم الناس ذلك إلا بعد أن بين اللّه ذلك بآجالهم وموتهم واحدا بعد آخر إذ التقدم إنما كان بسبب الآجال عندنا وفي نظرنا الظاهر وبعلم آخر في علم اللّه لم نقف عليه وحفظ اللّه المرتبة عليهم رضي اللّه عنهم أجمعين، وقد أطال الشيخ محيي الدين الكلام على السر الذي وقر في صدر أبي بكر في الباب التاسع والستين وثلاثمائة وسيأتي ذلك ملخصا في الباب المذكور إن شاء اللّه تعالى.

(قلت) : الذي نعتقده أن تقديم الخلفاء الأربعة كان بالفضل والزمان معا وهذا أولى مما قاله الشيخ واللّه أعلم. فليتأمل، ويحرر واللّه واسع عليم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!