الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن والتسعون ومائتان في معرفة منزل الذكر من العالم العلوي في الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الثامن والتسعين ومائتين في قوله تعالى: نُورٌ عَلىٰ نُورٍ [النور: 35] . هو نور الشرع مع نور بصر التوفيق والهداية، فلا بد للماشي في طريق الشرع من هذين النورين فلو وجد نور البصيرة دون نور الشرع لما دري العبد كيف يسلك لأنه في طريق مجهولة لا يعرف ما فيها ولا أين ينتهي به ثم الماشي في هذا الطريق يحتاج أن يحفظ سراجه من الأهواء أن تطفئه بهبوبها فإنه إن هبت عليه ريح زعزع أطفأت سراجه وأذهبت نوره قال: ومرادنا بالريح الزعزع كل ريح تؤثر في نور توحيده وإيمانه بخلاف غير الزعزع فإنها لا تطفئ نور السراج وإنما تميل لسانه حتى يحير في الطريق لا غير ومثال ذلك متابعة الهوى في فروع الشريعة كالوقوع في المعاصي التي لا يكفر بها الإنسان، ولا تقدح في توحيده وإيمانه فو اللّه لقد خلقنا لأمر عظيم.

(و قال) : في قوله تعالى: قٰالَ قَرِينُهُ رَبَّنٰا مٰا أَطْغَيْتُهُ [ق: 27] الآية. اعلم أن القرين لا يكون إلا في أمة بين أظهرها شرع فإن لم يكن بين أظهرهم شرع فلا قرين إذ الشيطان الذي هو القرين لا يكون إلا في مقابلة الملك الذي يأمر العبد بالخير بلسان الشرع، وأما إذا لم يكن شرع فإنما العبد متصرف بحكم طبعه لأن ناصيته بيد ربه خاصة فلا يوكل به القرينان إلا إن دخل في دين إلهي يتعبد نفسه به، فإن العقل وحده لا يستقل بمعرفة تشريع ما يقرب إلى اللّه تعالى وأطال في ذلك فليتأمل ويحرر.

(و قال) : قد أنكر الطبيعيون وجود ولد من ماء أحد الزوجين دون الآخر وذلك مردود عليهم بعيسى عليه السلام، فإنه خلق من ماء أمه فقط وذلك أن الملك لما تمثل لها بشرا سويا سرت اللذة بالنظر إليه بعد ما استعاذت منه وبعد أن عرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاما زكيا فتأهبت لقبول ذلك فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه فقط: [الباب الموفي ثلاثمائة في معرفة منزل انقسام العالم العلوي من الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الموفى ثلاثمائة في حديث «إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه وفصيله» . إنما قال ذلك ولم يقل كما يربي أحدكم ولده لأن الولد قد لا ينتفع به إذا كان ولد سوء فالنفع بالولد غير محقق بل ربما يحصل على والده منه الضرر بحيث يتمنى أن اللّه لم يخلقه، والفلو، والفصيل ليس هما كذلك فإن المنفعة بهما محققة ولا بد إما بركوبه، وبما يحمله عليه وبثمنه وبلحمه يأكله إن احتاج إليه فشبهه صلى اللّه عليه وسلم، بما يتحقق الانتفاع به ليعلم المتصدق أنه ينتفع بما تصدق به ولا بد ومن الانتفاع بها أنها تظله يوم القيامة من حر الشمس حتى يقضي بين الناس. (قلت) : ويحتمل أيضا أنه إنما مثل بالفلو دون الولد لأن الولد ليس هو بمال يتصدق به بخلاف الفلو واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!