الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثاني والثمانون ومائتان في معرفة منزل تزاور الموتى وأسراره من الحضرة الموسوية]

و قال في الباب الثاني والثمانين ومائتين في قوله تعالى: ومَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وجَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّٰاسِ [الأنعام: 122] الآية. اعلم أن ورود الموت على النفوس لا يكون إلا عن حياة سابقة إذ الموت لا يرد إلا على حي والتفرق لا يكون إلا عن اجتماع وكذا الحكم في موت النفس بعد العلم فإن قيل إن العلم باللّه طارئ الذي هو حياة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدم علم يحيا به قلنا العلم باللّه سبق إلى كل نفس في الأخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم فلما عمرت الأنفس الأجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد اللّه فبقيت النفوس ميتة بالجهل بتوحيد اللّه ثم بعد ذلك أحيا اللّه بعض النفوس بتوحيده وأحياها كلها بالعلم بوجود اللّه إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود اللّه فلهذا سميناه ميتا فلما رد إليه علمه حيي به كما ترد الأرواح إلى أجسامها في الدار الآخرة يوم البعث وقوله: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ [الأنعام:122] يريد مقابلة النور الذي يمشي به في الناس وما هو عين الحياة إذ الحياة الإقرار بوجود اللّه والنور المجعول بتوحيد اللّه والموت الجهل بوجود اللّه والظلمات الجهل بتوحيد اللّه ولهذا لم يذكر الحق تعالى في الأخذ الميثاقي إلا الإقرار بوجود اللّه لا بتوحيده ما تعرض للتوحيد فقال: لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ [الأعراف: 172] . فأقروا له بالربوبية التي هي السيادة وأطال في ذلك. وقال في قوله تعالى: أَلْهٰاكُمُ اَلتَّكٰاثُرُ ( 1 ) حَتّٰى زُرْتُمُ اَلْمَقٰابِرَ ( 2 ) [التكاثر: 1 ، 2] . اعلم أن شهود الكثرة يوجب للعبد الجهل بنفسه وذلك لأن الروح لا يعقل نفسه إلا مع هذا الجسم محل الكم والكثرة ولم يشهد نفسه قط وحده مع كونه في نفسه واحدا ولا تعرف إنسانيته إلا مع وجود هذا الجسم ولا تعقل أحديته في ذاته أبدا وإنما تعقل أحدية الجنس لا الأحدية الحقيقية والذي يحصل له بالاكتساب أنه واحد في عينه علم دليل فكري لا علم ذوق شهودي كشفي وأطال في ذلك. ثم قال: واعلم أن الزيارة مأخوذة من الزور وهو الميل فمن زار قوما فقد مال إليهم بنفسه فإن زارهم بمعناها فقد مال إليهم بقلبه وشهادة الزور هي الميل إلى الباطل عن الحق وزيارة الموتى هي الميل إليهم تعشقا لصفة الموت أن تحل به فإن الميت لا حكم له في نفسه وإنما هو في حكم من يتصرف فيه ولا يتصور من الميت منع ولا إباية ولا حمد ولا ذم ولا اعتراض بل هو مسلم فمن وفى هذا المقام حقه فهو من رجال اللّه قال: وجملة الأمر أن يكون حيا في أفعاله الظاهرة والباطنة التي يتعلق بها التكليف، ويكون ميتا بالتسليم لموارد القضاء عليه في كل شيء لا للمقضي واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!