الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[المقدمة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبهم أجمعين.

وبعد فهذا كتاب نفيس انتخبته من كتابي المسمى «بلواقح الأنوار القدسية» الذي كنت اختصرته من «الفتوحات المكية» خاص فهمه بالعلماء الأكابر وليس لغيرهم منه إلا الظاهر قد اشتمل على علوم وأسرار ومعارف لا يكاد يخطر علمها على قلب الناظر فيه قبل رؤيتها فيه، وقد سميته ب‍ «الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر» ومرادي بالكبريت الأحمر إكسير الذهب ومرادي بالشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي رضي اللّه تعالى عنه.

أعني أن مرتبة علوم هذا الكتاب بالنسبة لغيره من كلام الصوفية كمرتبة إكسير الذهب بالنسبة لمطلق الذهب كما سنشير إلى ذلك بما نقلناه عن الشيخ رحمه اللّه في أبواب فتوحاته «و الكبريت الأحمر» يتحدث به ولا يرى لعزته.

واعلم يا أخي أنني قد طالعت من كتب القوم ما لا أحصيه وما وجدت كتابا أجمع لكلام أهل الطريق من كتاب «الفتوحات المكية» لا سيما ما تكلم فيه من أسرار الشريعة وبيان منازع المجتهدين التي استنبطوا منها أقوالهم، فإن نظر فيه مجتهد في الشريعة ازداد علما إلى علمه واطلع على أسرار في وجوه الاستنباط وعلى تعليلات صحيحة لم تكن عنده، وإن نظر فيه مفسر للقرآن فكذلك وشارح للأحاديث النبوية فكذلك ومتكلم فكذلك ومحدث فكذلك ولغوي فكذلك ومقرئ فكذلك ومعبر للمنامات فكذلك وعالم بالطبيعة وصنعه الطب فكذلك وعالم بالهندسة فكذلك ونحويّ فكذلك ومنطقي فكذلك وصوفى فكذلك و عالم بعلم حضرات الأسماء الإلهية فكذلك وعالم بعلم الحرف فكذلك.

فهو كتاب يفيد أصحاب هذه العلوم وغيرها علوما لم تخطر لهم قطّ على بال وقد أشرنا لنحو ثلاثة آلاف علم منها في كتابنا المسمى «بتنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علم علوم الأولياء» فإن علوم الشيخ كلها مبنية على الكشف والتعريف ومطهرة من الشك والتحريف كما أشار رضي اللّه تعالى عنه إلى ذلك في الباب السابع والستين وثلثمائة من «الفتوحات» بقوله: وليس عندنا بحمد اللّه تعالى تقليد إلا للشارع صلى اللّه عليه وسلم بقوله في الكلام على الأذان واعلم أني لم أقرر بحمد اللّه تعالى في كتابي هذا قط أمرا غير مشروع وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء منه.

وبقوله في الباب الخامس والستين وثلثمائة: واعلم أن جميع ما أتكلم به في مجالسي وتصانيفي إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه فإني أعطيت مفاتيح الفهم فيه والإمداد منه، كل ذلك حتى لا أخرج عن مجالسة الحق تعالى ومناجاته بكلامه وبقوله في باب الأسرار والنفث في الروع من وحي القدوس لكن ما هو مثل وحي الكلام ولا وحي الإشارة والعبارة، ففرّق يا أخي بين وحي الكلام ووحي الإلهام تكن من أهل ذي الجلال والإكرام.

وبقوله في الباب السادس والستين وثلثمائة: واعلم أن جميع ما أكتبه في تأليفي ليس هو عن روية وفكر، وإنما هو عن نفث في روعي على يد ملك الإلهام.

وبقوله في الباب الثالث والسبعين وثلثمائة: جميع ما كتبته وأكتبه في هذا الكتاب إنما هو من إملاء إلهي وإلقاء رباني ونفث روحاني في روح كياني كل ذلك بحكم الإرث للأنبياء والتبعية لهم لا بحكم الاستقلال.

وبقوله في الباب التاسع والثمانين من «الفتوحات» والباب الثامن والأربعين وثلثمائة منها: واعلم أن ترتيب أبواب «الفتوحات» لم يكن عن اختيار ولا عن نظر فكري وإنما الحق تعالى يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاما بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بما بعده وذلك شبيه بقوله تعالى: حٰافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوٰاتِ واَلصَّلاٰةِ اَلْوُسْطىٰ [البقرة: 238] بين آيات طلاق ونكاح وعدة وفاة تتقدمها وتتأخرها.

وبقوله في الباب الثاني من «الفتوحات» : اعلم أن العارفين إنما كانوا لا يتقيدون بالكلام على ما بوبوا عليه فقط لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز منها فمهما برز لها أمر بادرت لامتثاله وألفته على حسب ما حد لها فقد تلقى الشيء إلى ما ليس من جنسه امتثالا لأمر ربها.

وبقوله في الباب السابع والأربعين: اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر، إنما هي من الفيض الإلهي انتهى واللّه أعلم.

وأنا أسأل اللّه العظيم كل ناظر في هذا الكتاب أن يصلح ما يراه فيه من الزيغ والتحريف عملا بقوله صلى اللّه عليه وسلم: «و اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» .

إذا علمت ذلك فأقول وباللّه التوفيق.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!