فأين هذا المقام من ذلك و أين دار رضوان من دار مالك ف ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فمن العزيز و من الذليل فلو لا ما اطلع على من تجاوز الحدود و الرسوم ما رجعوا إلى حدودهم فإن الاطلاع ما يكون إلا من رفيع و هو ﴿رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ﴾ [غافر:15] فخافوا فاعترفوا كما قلنا بجهالتهم و ظلمهم أنفسهم و خوفهم من تعدى حدود سيدهم فقال ﴿يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر:53] و تجاوزوا حدود سيدهم ﴿لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ﴾ [الزمر:53] فإن اللّٰه للرحمة خلقهم و لهذا تسمى بالرحمن و استوى به على العرش و أرسل أكمل الرسل و أجلهم قدرا و أعمهم رسالة رحمة للعالمين و لم يخص عالما من عالم فدخل المطيع و العاصي و المؤمن و المكذب و الموحد و المشرك في هذا الخطاب الذي هو مسمى العالم و «لما أعطاه ص» «مقام الغيرة على جناب اللّٰه تعالى و ما يستحقه أخذ يقنت في صلاته شهرا يدعو على طائفة من عباد اللّٰه بالهلاك رعل و ذكوان و عصية عصت اللّٰه و رسوله فأنزل اللّٰه عليه وحيه بواسطة الروح الأمين يا محمد إن اللّٰه يقول لك ما أرسلك سبابا و لا لعانا و إنما بعثك رحمة أي لترحم مثل هؤلاء كأنه يقول له بدل دعائك عليهم كنت تدعوني لهم ثم تلا عليه كلام ربه» ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] أي لترحمهم فإنك إذا دعوتني لهم ربما وفقتهم لطاعتي فترى سرور عينك و قرتها في طاعتهم و إذا لعنتهم و دعوت عليهم و أجبت دعاك فيهم لم يتمكن أن آخذهم إلا بأن يزيدوا طغيانا و إثما مبينا و ذلك كله إنما كان بدعائك عليهم فكانت أمرتهم بالزيادة في الطغيان الذي نؤاخذهم به فتنبه رسول اللّٰه ﷺ لما أدبه به ربه فقال ﷺ إن اللّٰه أدبني فحسن أدبي و قال بعد ذلك اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون و قام ليلة إلى الصباح لا يتلو فيها إلا قوله تعالى ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبٰادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة:118]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية