كنار موسى يراها عين حاجته *** و هو الإله و لكن ليس يدريه
[أن اللّٰه ما خلق الذي خلق من الموجودات خلقا خطيا من غير أن يكون فيه ميل إلى الاستدارة]
و اعلم أن اللّٰه ما خلق الذي خلق من الموجودات خلقا خطيا من غير أن يكون فيه ميل إلى الاستدارة أو مستديرا في عالم الأجسام و المعاني و قال تعالى في السموات و هو ما علا و في الأرض و هو ما سفل إذ لا أسفل منها إنه ﴿لاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا﴾ [البقرة:255] فوصف نفسه بأنه لكل شيء حفيظ : و الحفظ حنو من الحافظ على المحفوظ فيكون في شكل كل صورة الأجسام انحناء و في المعاني و الأرواح حنو فلنذكر سبب ميل الأجسام إلى الاستدارة و ذلك إن أول شكل قبله الجسم الاستدارة و هو المسمى فلكا أي مستديرا و عن حركة ذلك الفلك ظهر عالم الأجسام علوا و سفلا فمنه ما ظهر بصورة ذات الأصل و هو كل من كملت فيه الاستدارة و التقى طرفا الدائرة و من نقص عن هذه الصورة لا بد أن يوجد فيه ميل إلى الاستدارة يظهر ذلك حسا في الأجسام حتى في أوراق الأشجار و الأحجار و الجبال و الأغصان فما في عالم الأجسام خط غير مائل إلا بالفرض و التوهم لا بالوقوع و إنما ظهر الجسم بصورة الاستدارة أعني الجسم الكل الظاهر بالشكل لأن اللّٰه أراد أن يملأ به الخلأ فلو لم يكن مستدير الشكل لبقي في الخلأ ما ليس فيه ملأ و الخلأ استدارة متوهمة لا في جسم و إنما وقع الأمر هكذا الصدور الأشياء عن اللّٰه و رجوعها فمنه بدأ و إليه يعود فلا بد أن يكون هذا الأمر في عالم الشكل صورة دائرة لأنه لا يعود إليه على الطريق الذي خرج عليه و إنما امتداده ينتهي إلى مبدئه و لا يكون ذلك في الشكل الخطي لأنه لو كان لم يعد إليه أبدا و هو عائد إليه فلا بد من الاستدارة فيه معنى و حسا و من خلقه العالم على الصورة إن خلقه مستدير الشكل فانظر في حكمة اللّٰه و لما كان المرجع إليه ليظهر الحنو الذي صورته انحناء لذلك عمت رحمته جميع الموجودات و وسعت كل شيء كما وسع هو ﴿كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً﴾ [غافر:7] و لم يجر للغضب ذكر في هذه السعة الإلهية و الرحمانية فلا بد من مال العالم إلى الرحمة لأنه لا بد للعالم من الرجوع إلى اللّٰه فإنه القائل ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية