الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


وصية عليكم بذكر الله في السر والعلن‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

وصية عليكم بذكر الله في السر والعلن‏

وصية عليكم بذكر الله في السر والعلن‏

وفي أنفسكم وفي الملإ فإن الله يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فجعل جواب الذكر من العبد الذكر من الله وأي ضراء على العبد أضر من الذنب وكان يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حال الضراء الحمد لله على كل حال وفي حال السراء الحمد لله المنعم المفضل‏

فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر فيرزقك ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف للأشياء وإذا جاء الكشف جاء الحياء يصحبه دليلك على ذلك استحياؤك من جارك وممن ترى له حقا وقدرا ولا شك أن الايمان يعطيك تعظيم الحق عندك وكلامنا إنما هو مع المؤمنين ووصيتنا إنما هي لكل مسلم مؤمن بالله وبما جاء من عنده‏

والله يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه الحديث وفيه وأنا معه يعني مع العبد حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم‏

وقال تعالى والذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ وأكبر الذكر ذكر الله على كل حال وصية ثابر على إتيان جميع القرب جهد الاستطاعة في كل زمان وحال بما يخاطبك به الحق بلسان ذلك الزمان ولسان ذلك الحال فإنك إن كنت مؤمنا فلن تخلص لك معصية أبدا من غير أن تخالطها طاعة فإنك مؤمن بها إنها معصية فإن أضفت إلى هذا التخليط استغفار أو توبة فطاعة على طاعة وقربة إلى قربة فيقوي جزء الطاعة التي خلط به العمل السيئ والايمان من أقوى القرب وأعظمها عند الله فإنه الأساس الذي أنبنى عليه جميع القرب ومن الايمان حكمك على الله بما حكم به على نفسه‏

في الخبر الذي صح عنه تعالى الذي ذكر فيه وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة

وسبب هذا التضعيف من الله والأقل من العبد والأضعف فإن العبد لا بد له أن يتثبت من أجل النية بالقربة إلى الله في الفعل وأنه‏

ي مأمور بأن يزن أفعاله بميزان الشرع فلا بد من التثبط فيه وإن أسرع ووصف بالسرعة فإنما سرعته في إقامة الميزان في فعله ذلك لا في نفس الفعل فإن إقامة الميزان به تصح المعاملة وقرب الله لا يحتاج إلى ميزان فإن ميزان الحق الموضوع الذي بيده هو الميزان الذي وزنت أنت به ذلك الفعل الذي تطلب به القربة إلى الله فلا بد من هذا نعته أن يكون في قربه منك أقوى وأكثر من قربك منه فوصف نفسه بأنه يقرب منك في قربك منه ضعف ما قربت منه مثلا بمثل لأنك على الصورة خلقت وأقل خلافة لك خلافتك على ذاتك فأنت خليفته في أرض بدنك ورعيتك جوارحك وقواك الظاهرة والباطنة فعين قربه منك قربك منه وزيادة وهي ما قال من الذراع والباع والهرولة والشبر إلى الشبر ذراع والذراع إلى الذراع باع والمشي إذا ضاعفته هرولة فهو في الأول الذي هو قربك منه وهو في الآخر الذي هو قربه منك ف هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ وهذا هو القرب المناسب فإن القرب الإلهي من جميع الخلق غير هذا وهو قوله ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ فما أريد هنا ذلك القرب وإنما أريد القرب الذي هو جزاء قرب العبد من الله وليس للعبد قرب من الله إلا بالإيمان بما جاء من عند الله بعد الايمان بالله وبالمبلغ عن الله‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!