الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


(وصايا) في القول‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

(وصايا) في القول‏

(وصايا) في القول‏

سمعت محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسى بمدينة فاس العدل أظن في سنة أربع وتسعين وخمسمائة يقول تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحدة قال كسرى أنا على رد ما لم أقل أقوى مني على رد ما قلت وقال ملك الهند إذا تكلمت بكلمة ملكتني وإن كنت أملكها وقال قيصر ملك الروم لا أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت وقال ملك الصين عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول قال بعض الشعراء

لعمرك ما شي‏ء علمت مكانه *** أحق يسجن من لسان مدلل‏

على فيك مما ليس يعنيك قوله *** بقفل شديد حيث ما كنت أقفل‏

وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في العبد ولا يكون في سيده صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافاة بالصنائع والتذمم للجار ومراعاة حق الصاحب وصلة الرحم وقرى الضيف وأداء الأمانة ورأسهن الحياء وقال بعضهم كتمانك سرك يعقبك السلامة وإفشاؤك سرك يعقبك الندامة والصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه في الحكمة

ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده اللصوص فيخفيه ويمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه أو سر أخيه جاور معي بمكة أظن سنة تسع وتسعين وخمسمائة رجل من أهل تونس يقال له عبد السلام بن السعرية وكانت عنده جارية اشتراها بمصر في الشدة التي وقعت بمصر سنة سبع وتسعين وخمسمائة فقال لها يا جارية أوصيك بأمرين حفظ السر والأمانة فقالت الجارية ما تحتاج فإني أعلم أن الشخص إذا كان أمينا شارك الناس في أموالهم وإذا كان حافظا للسر شاركهم في عقولهم فاستحسن هذا الجواب منها فسأل عنها فوجدها حرة قد بيعت في غلاء مصر فأعتقها وسرحها فرجعت إلى أمها وأخواتها وقال معاوية رضي الله عنه ما أفشيت سرى إلى أحد إلا أعقبني طول الندم وشدة الأسف ولا أودعته جوانح صدري إلا أكسبني مجدا وذكرا وسنا ورفعة فقيل له ولا ابن العاص فقال ولا ابن العاص لأن عمرو بن العاص كان صاحب رأى معاوية ومشيره ووزيره وكان يقول ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك يريد والله أعلم معاوية بهذا الكلام ما كان ينشدنا في أكثر مجالسه أبو بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي أستاذي في القراآت بمسجده بقوس الحنية من إشبيلية رحمه الله يوصينا بذلك‏

احذر عدوك مرة *** واحذر صديقك ألف مرة

فلربما هجر الصديق *** فكان أعرف بالمضرة

وكان عمي أخو والدي ينشدني كثيرا للسميسر

زمان يمر وعيش يمر *** ودهر يكر بما لا يسر

ونفس تذوب وهم ينوب *** ودنيا تنادي بأن ليس حر

ومن كلام النبوة في الوصية من كتم سره كانت الخيرة في يده ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن وضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن بكلمة خرجت منه سواء وما كافأت من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله عز وجل فيه وعليك بإخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء وعصمة عند البلاء

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!