الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


وصية عامة

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

وصية عامة

فمن ذلك‏

وصية قال الله تعالى في الوصية العامة

شَرَعَ لَكُمْ من الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا به إِبْراهِيمَ ومُوسى‏ وعِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ فأمر الحق بإقامة الدين وهو شرع الوقت في كل زمان وملة وأن يجتمع عليه ولا يتفرق فيه‏

فإن يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب القاصية

وهي البعيدة التي شردت وانفردت عما هي الجماعة عليه وحكمة ذلك أن الله لا يعقل إلها إلا من حيث أسماؤه الحسنى لا من حيث هو معرى عن هذه الأسماء الحسنى فلا بد من توحيد عينه وكثرة أسمائه وبالمجموع هو الإله فيد الله وهي القوة مع الجماعة أوصى حكيم أولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتوني بعصي فجمعها وقال لهم اكسروها وهي مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقا فقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا أنتم بعدي لن تغلبوا ما اجتمعتم فإذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فأبادكم وكذلك القائمون بالدين إذا اجتمعوا على إقامة الدين ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذلك الإنسان في نفسه إذا اجتمع في نفسه على إقامة دين الله لم يغلبه شيطان من الإنس ولا من الجن بما يوسوس به إليه مع مساعدة الايمان والملك بلمته له وصية إذا عصيت الله تعالى بموضع فلا تبرح من ذلك الموضع حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة فكما يشهد عليك إن استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه وكذلك ثوبك إن عصيت الله فيه فكن كما ذكرته لك اعبد الله فيه وكذلك ما يفارقك منك من قص شارب وحلق عانة وقص أظفار وتسريح شعر وتنقية وسخ لا يفارقك شي‏ء من ذلك من بدنك إلا وأنت على طهارة وذكر الله عز وجل فإنه يسأل عنك كيف تركك وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله إن تدعو الله في أن يتوب عليك عن أمره تعالى حتى تكون مؤديا واجبا في امتثالك أمر الله وهو قوله وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فأمرك أن تدعوه ثم قال في هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي يعني هنا بالعبادة الدعاء أي من يستكبر عن الذلة إلي والمسكنة فإن الدعاء سماه عبادة والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أي أذلاء فإذا فعلوا ما أمروا به جازاهم الله بدخول الجنة أعزاء ولقد دخلت يوما الحمام لغسل طرا علي سحرا فلقيت فيه نجم الدين أبا المعالي ابن اللهيب وكان صاحبي‏

فاستدعى بالحلاق يحلق رأسه فصحت به يا أبا المعالي فقال لي من فوره قبل أن أتكلم إني على طهارة قد فهمت عنك فتعجبت من حضوره وسرعة فهمه ومراعاته الموطن وقرائن الأحوال وما يعرفه مني في ذلك فقلت له بارك الله فيك والله ما صحت بك إلا لتكون على طهارة وذكر عند مفارقة شعرك فدعا لي ثم حلق رأسه ومثل هذا قد أغفله الناس بل يقولون إذا عصيت الله في موضع فتحول عنه لأنهم يخافون عليك إن تذكرك البقعة بالمعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنب فما ذكروا ذلك إلا شفقة ولكن فاتهم علم كبير فأطع الله فيه وحينئذ تتحول عنه فتجمع بين ما قالوه وبين ما وصيتك به وكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقيب ذكرك إياها واستغفر الله منها واذكر الله عندها بحسب ما كانت تلك المعصية

فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول اتبع السيئة الحسنة تمحها

وقال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ولكن يكون لك ميزان في ذلك تعرف به مناسبات السيئات والحسنات التي تزنها

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!