الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


(حكي)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

(حكي)

(حكي)

في زمان النبوة الأولى أن بعض من يوحى إليه من المتقدمين فكر في أمر التكليف والبلوى ولم يتجه له وجه الحكمة في ذلك وقد أمره الله بالتفكر في عبادته فأخذ يناجي ربه في خلوته بسره ولسانه فقال يا رب خلقتني ولم تستأمرني ثم تميتني ولا تستشيرني وأمرتني ونهيتني ولم تخيرني وسلطت على هوى مرديا وشيطانا مغويا وركبت في نفسي شهوات مركوزة وجعلت بين عيني دنيا مزينة ثم خوفتني وزجرتني بوعيد وتهديد وقلت فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فيضلك عن سبيلي واحذر الشيطان أن يقربك والدنيا لا تغرنك وتجنب شهواتك لا ترديك وآمالك وأمانيك لا تلهيك وأوصيك بأبناء جنسك فدارهم ومعيشتك فاطلبها من وجه حلال فإنك مسئول عنها إن لم تطلبها ومسئول عنها إن طلبتها من غير وجهها ولا تنس الآخرة كما لم تَنْسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيا وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ولا تبغ الفساد في الأرض ولا تعرض عن الآخرة فتخسر الدنيا والآخرة وذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ فقد حصلت يا رب بين أمور متضادة وقوى متجاذبة وأحوال متقابلة فلا أدري كيف أعمل ولا أهتدى أي شي‏ء أصنع وقد تحيرت في أموري وضللت عن حيلتي فأدركني يا رب وخذ بيدي ودلني على سبيل نجاتي وإلا هلكت فأوحى الله عز وجل إليه يا عبدي ما أمرتك بشي‏ء تعاونني فيه ولا نهيتك عن شي‏ء كان يضرني إن فعلته بل إنما أمرتك لتعلم إن لك ربا وإلها هو خالقك ورازقك ومعبودك ومنشئك وحافظك وصاحبك وناصرك ومعينك ولتعلم بأنك محتاج في جميع ما أمرتك إلى معاونتي وتوبتي وهدايتي وتيسيري وعنايتي ولتعلم أيضا بأنك محتاج في جميع ما نهيتك عنه إلى عصمتي وحفظي ورعايتى وإنك إلى محتاج في جميع تصرفاتك وأحوالك في جميع أوقاتك من أمور دنياك وآخرتك ليلا ونهارا وإنه لا يخفى علي من أمورك صغير ولا كبير سرا وعلانية وليتبين لك وتعرف أنك مفتقر ومحتاج إلي ولا بد لك مني فعند ذلك لا تعرض عني ولا تتشاغل عني ولا تنساني ولا تشتغل بغيري بل تكون في دائم الأوقات في ذكري وفي جميع أحوالك وجميع حوائجك تسألني وفي جميع تصرفاتك تخاطبني وفي جميع خلواتك تناجيني وتشاهدني وتراقبني وتكون منقطعا إلي من جميع خلقي ومتصلا بى دونهم وتعلم أني معك حيث ما تكون أراك وإن لم ترني فإذا أردت هذه كلها وتيقنت وبان لك حقيقة ما قلت وصحة ما وصفت تركت كل شي‏ء وراك واتصلت إلي وحدك فعند ذلك أقربك مني وأوصلك لي وأرفعك عندي وتكون من أوليائي وأصفيائي وأهل جنتي في جواري مع ملائكتي مكرما مفضلا مسرورا فرحا منعما ملذذا آمنا مبقى سرمدا أبدا دائما فلا تظن بي يا عبدي ظن السوء ولا تتوهم على غير ما يقتضيه كرمي وجودي واذكر سالف إنعامي عليك وقديم إحساني إليك وجميل آلائي لديك إذ خلقتك ولم تك شيئا مذكورا خلقا سويا وجعلت لك سمعا لطيفا وبصرا حادا وحواس دراكة وقلبا ذكيا وفهما ثاقبا وذهنا صافيا وفكرا لطيفا ولسانا فصيحا وعقلا رصينا وبنية تامة وصورة حسنة وأعضاء صحيحة وأدوات كاملة وجوارح طائعة ثم ألهمتك الكلام والمقال وعرفتك المنافع والمضار وكيفية التصرف في الأفعال والصنائع والأعمال وكشفت الحجب عن بصرك وفتحت عينيك لتنظر إلى ملكوتي وترى مجاري الليل والنهار والأفلاك الدوارة والكواكب السيارة وعلمتك حساب الأوقات والأزمان والشهور والأعوام والأيام وسخرت لك ما في البر والبحر من المعادن والنبات والحيوان تتصرف فيها تصرف الملاك وتتحكم فيها تحكم الأرباب فلما رأيتك متعديا حائرا باغيا خائنا ظالما طاغيا متجاوزا الحد والمقدار عرفتك الحدود والأحكام والقياس والمقدار والإنصاف والحق والصواب والخير والمعروف‏

والسيرة العادلة ليدوم لك الفضل والنعم ويصرف عنك العذاب والنقم وعرضتك لما هو خير لك وأفضل وأشرف وأعز وأكرم وألذ وأنعم ثم أنت تظن بي ظنون السوء وتتوهم على غير الحق يا عبدي إذا تعذر عليك فعل شي‏ء مما أمرتك به فقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كما قالت حملة العرش لما ثقل عليهم حمله وإذا أصابتك مصيبة فقل إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ كما يقول أهل صفوتي ومودتي وإذا زلت بك القدم في معصيتي فقل ما قال صفيي آدم وزوجته رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ وإذا أشكل عليك أمر وأهمك رأى أو أردت رشدا وقولا صوابا فقل كما قال خليلي إبراهيم الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ وإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ والَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ واجْعَلْنِي من وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ واغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ من الضَّالِّينَ ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلَّا من أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وإذا أصابتك مصيبة فقل كما أعلمتك فيما أنزله عليك من قول يعقوب إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى الله وأَعْلَمُ من الله ما لا تَعْلَمُونَ وإذا جرت منك خطيئة فقل كما قال موسى عليه السلام هذا من عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ وإذا صرفت عنك معصية فقل كما قال يوسف عليه السلام وما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وإذا ابتلاك الله ببلية فافعل ما ذكر الله عن داود عليه السلام فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعاً وأَنابَ وإذا رأيت العصاة من خلق الله والخاطئين من عباده ولم تدر ما حكم الله فيهم فقل كما قال عيسى عليه السلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وإذا استغفرت الله وطلبت عفوه فقل كما قال ويقول محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأنصاره

رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وإذا خفت عواقب الأمور ولم تدر ما ذا يختم لك فقل كما يقولون رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا من لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!