Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحجرات: [الآية 12]

سورة الحجرات
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱجْتَنِبُوا۟ كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿12﴾

تفسير الجلالين:

«يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم» أي مؤثم وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين، وهم كثير بخلافه بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو يظهر منهم «ولا تجسسوا» حذف منه إحدى التاءين لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها «ولا يغتب بعضكم بعضا» لا يذكره بشيء يكرهه وإن كان فيه «أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» بالتخفيف والتشديد، أي لا يحسن به «فكرهتموه» أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته وقد عرض عليكم الثاني فكرهتموه فاكرهوا الأول «واتقوا الله» أي عقابه في الاغتياب بأن تتوبوا منه «إن الله توَّاب» قابل توبة التائبين «رحيم» بهم.

تفسير الشيخ محي الدين:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17)

لما منّ من منّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالإسلام ،

قال تعالى تأنيسا له : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا»

ثم أمره أن يقول لهم فقال ، «قُلْ» يا محمد «لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ»

وآثر الحق تعالى محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسه حتى لا يجعل له نعتا فيما أجري عليه لسان ذم ،

فقال له : قل لهم : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ» معناه أنه لو منّ لكان المنّ للّه «أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» ولو شاء لقال : بل أنا أمنّ عليكم أن هداكم اللّه بي للإيمان الذي رزقكم بتوحيده وأسعدكم به ، فما جعله تعالى محلا للمنّ كما منّوا بإسلامهم ،

فوبخوا ونبهوا بقوله : «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» والمنّ هنا من علم التطابق لم يقصد به المنّ ، لأنهم لما امتنوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإسلامهم ، قال اللّه له : «قُلْ» يا محمد «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ» أي إذا دخلتم في حضرة المنّ فالمنّ للّه لا لكم ، فما كان اللّه ليقول في المنّ ما قال ، ويكون منه ، وما كان اللّه ليدلنا على مكارم الأخلاق من العفو والصفح ويفعل معنا خلافه ،

فلله المنّة التي هي النعمة ، والامتنان الذي هو إعطاء المنّة ، لا المنّ سبحانه وتعالى ، فلما كانت المنة الواقعة منهم إنما هي على اللّه لا على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإنهم ما انقادوا إلا إلى اللّه ، لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه ، وإنما دعاهم إلى اللّه ،

فكان قوله تعالى : «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» في دعواكم أنكم مؤمنون ، يعني في إيمانكم بما جئت به ، فإنه مما جئت به أن الهداية بيد اللّه ، يهدي بها من يشاء من عباده لا بيد المخلوق ، فعراهم من هذه الصفة أن تكون لهم كسبا ، فاللّه تعالى يمنّ على عباده بما يمتنّ عليهم من المنن الجسام ، فجميع نعمه الظاهرة والباطنة مننه ،


ولذا سميت مننا ، وليس للعباد أن يمتنوا لأن النعم ليست إلا لمن خلقها ، فلهذا كان المن من اللّه محمودا ، لأنه ينبه عباده بما أنعم عليهم ليرجعوا إليه ، وكان مذموما من العباد لأنه كذب محض .

------------

(17) الفتوحات ج 4 / 256 - ج 2 / 232 ، 221 ، 651 - ج 4 / 256 -ح 2 / 221 ، 74 ، 256 ، 221 - إيجاز البيان آية 41

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله ; لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ، فليجتنب كثير منه احتياطا ، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا ، وأنت تجد لها في الخير محملا .

وقال أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي قيس النضري ، حدثنا عبد الله بن عمر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول : " ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك . والذي نفس محمد بيده ، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ، ماله ودمه ، وأن يظن به إلا خير . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه .

وقال مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " .

رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، وأبو داود عن العتبي [ ثلاثتهم ] ، عن مالك ، به .

وقال سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " .

رواه مسلم والترمذي - وصححه - من حديث سفيان بن عيينة ، به .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي العدوي ، حدثنا بكر بن عبد الوهاب المدني ، حدثنا إسماعيل بن قيس الأنصاري ، حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال ، عن أبيه ، عن جده حارثة بن النعمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث زمات لأمتي : الطيرة ، والحسد وسوء الظن " . فقال رجل : ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه ؟ قال : " إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا تطيرت فأمض " . وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد قال : أتي ابن مسعود ، رضي الله عنه برجل ، فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا . فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .

سماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا ليث ، عن إبراهيم بن نشيط الخولاني ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي الهيثم ، عن دخين كاتب عقبة قال : قلت لعقبة : إن لنا جيرانا يشربون الخمر ، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم . قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم . قال : ففعل فلم ينتهوا . قال : فجاءه دخين فقال : إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ، وإني داع لهم الشرط فيأخذونهم . قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم . قال : ففعل فلم ينتهوا . قال : فجاءه دخين فقال : إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ، وإني داع لهم الشرط فتأخذهم . فقال له عقبة : ويحك لا تفعل ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها " .

ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن سعد ، به نحوه .

وقال سفيان الثوري ، عن ثور ، عن راشد بن سعد ، عن معاوية قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم " أو : " كدت أن تفسدهم " . فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفعه الله بها . رواه أبو داود منفردا به من حديث الثوري ، به .

وقال أبو داود أيضا : حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن جبير بن نفير ، وكثير بن مرة ، وعمرو بن الأسود ، والمقدام بن معدي كرب ، وأبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس ، أفسدهم " .

[ وقوله ] : ( ولا تجسسوا ) أي : على بعضكم بعضا . والتجسس غالبا يطلق في الشر ، ومنه الجاسوس . وأما التحسس فيكون غالبا في الخير ، كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب [ عليه السلام ] أنه قال : ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ) [ يوسف : 87 ] ، وقد يستعمل كل منهما في الشر ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا " .

وقال الأوزاعي : التجسس : البحث عن الشيء . والتحسس : الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون ، أو يتسمع على أبوابهم . والتدابر : الصرم . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) فيه نهي عن الغيبة ، وقد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ؟ قال : " ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .

ورواه الترمذي عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . وقال : حسن صحيح . ورواه ابن جرير عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن العلاء . وهكذا قال ابن عمر ، ومسروق ، وقتادة ، وأبو إسحاق ، ومعاوية بن قرة .

وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني علي بن الأقمر ، عن أبي حذيفة ، عن عائشة قالت : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا ! - قال غير مسدد : تعني قصيرة - فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " . قالت : وحكيت له إنسانا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما أحب أني حكيت إنسانا ، وإن لي كذا وكذا " .

ورواه الترمذي من حديث يحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع ، ثلاثتهم عن سفيان الثوري ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي حذيفة سلمة بن صهيبة الأرحبي ، عن عائشة ، به . وقال : حسن صحيح .

وقال ابن جرير : حدثني ابن أبي الشوارب : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، حدثنا حسان بن المخارق ; أن امرأة دخلت على عائشة ، فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : إنها قصيرة - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغتبتيها " .

والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته ، كما في الجرح والتعديل والنصيحة ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر : " ائذنوا له ، بئس أخو العشيرة " ، وكقوله لفاطمة بنت قيس - وقد خطبها معاوية وأبو الجهم - : " أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " . وكذا ما جرى مجرى ذلك . ثم بقيتها على التحريم الشديد ، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ; ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت ، كما قال تعالى : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) ؟ أي : كما تكرهون هذا طبعا ، فاكرهوا ذاك شرعا ; فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير منها ، كما قال عليه السلام ، في العائد في هبته : " كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه " ، وقد قال : " ليس لنا مثل السوء " . وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه عليه السلام ، قال في خطبة [ حجة ] الوداع : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " .

وقال أبو داود : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل المسلم على المسلم حرام : ماله وعرضه ودمه ، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .

ورواه الترمذي عن عبيد بن أسباط بن محمد ، عن أبيه ، به . وقال : حسن غريب .

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن سعيد بن عبد الله بن جريج ، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " .

تفرد به أبو داود . وقد روي من حديث البراء بن عازب ، فقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا إبراهيم بن دينار ، حدثنا مصعب بن سلام ، عن حمزة بن حبيب الزيات ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسمع العواتق في بيوتها - أو قال : في خدورها - فقال : " يا معشر من آمن بلسانه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته " .

طريق أخرى عن ابن عمر : قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي : أخبرنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يحيى بن أكثم ، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني ، عن الحسين بن واقد ، عن أوفى بن دلهم ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ; فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " . قال : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك .

قال أبو داود : وحدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، عن ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن وقاص بن ربيعة ، عن المستورد أنه حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله في جهنم . ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة " . تفرد به أبو داود .

وحدثنا ابن مصفى ، حدثنا بقية وأبو المغيرة قالا حدثنا صفوان ، حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم " .

تفرد به أبو داود ، وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامي ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] قال : قلنا : يا رسول الله ، حدثنا ما رأيت ليلة أسري بك ؟ . . . قال : " ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير ، رجال ونساء موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم فيحذون منه الحذوة من مثل النعل ثم يضعونه في في أحدهم ، فيقال له : " كل كما أكلت " ، وهو يجد من أكله الموت - يا محمد - لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت : يا جبرائيل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة . فيقال : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) وهو يكره على أكل لحمه .

هكذا أورد هذا الحديث ، وقد سقناه بطوله في أول تفسير " سورة سبحان " ولله الحمد .

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا الربيع ، عن يزيد ، عن أنس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يصوموا يوما ولا يفطرن أحد حتى آذن له . فصام الناس ، فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول : ظللت منذ اليوم صائما ، فائذن لي فأفطر فيأذن له ، ويجيء الرجل فيقول ذلك ، فيأذن له حتى جاء رجل فقال : يا رسول الله ، إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين ، فائذن لهما فليفطرا فأعرض عنه ، ثم أعاد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما صامتا ، وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس ؟ اذهب ، فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا " . ففعلتا ، فقاءت كل واحدة منهما علقة علقة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو ماتتا وهما فيهما لأكلتهما النار " .

إسناد ضعيف ، ومتن غريب . وقد رواه الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن هارون : حدثنا سليمان التيمي قال : سمعت رجلا يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي عن عبيد - مولى رسول الله - أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن رجلا أتى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إن هاهنا امرأتين صامتا ، وإنهما كادتا تموتان من العطش - أراه قال : بالهاجرة - فأعرض عنه - أو : سكت عنه - فقال : يا نبي الله ، إنهما - والله قد ماتتا أو كادتا تموتان . فقال : ادعهما . فجاءتا ، قال : فجئ بقدح - أو عس - فقال لإحداهما : " قيئي " فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح . ثم قال للأخرى : قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح . فقال : إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس .

وهكذا قد رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ، كلاهما عن سليمان بن طرخان التيمي ، به مثله أو نحوه . ثم رواه أيضا من حديث مسدد ، عن يحيى القطان ، عن عثمان بن غياث ، حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان ، عن سعد - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم أمروا بصيام ، فجاء رجل في نصف النهار فقال : يا رسول الله ، فلانة وفلانة قد بلغتا الجهد . فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : " ادعهما " . فجاء بعس - أو : قدح - فقال لإحداهما : " قيئي " ، فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا ، وقال للأخرى مثل ذلك ، فقال : " إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، أتت إحداهما للأخرى فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا " .

وقال البيهقي : كذا قال " عن سعد " ، والأول - وهو عبيد - أصح .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبي أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير عن ابن عم لأبي هريرة أن ماعزا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فأعرض عنه - قالها أربعا - فلما كان في الخامسة قال : " زنيت " ؟ قال : نعم . قال : " وتدري ما الزنا ؟ " قال : نعم ، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا . قال : " ما تريد إلى هذا القول ؟ " قال : أريد أن تطهرني . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر ؟ " . قال : نعم ، يا رسول الله . قال : فأمر برجمه فرجم ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب . ثم سار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مر بجيفة حمار فقال : أين فلان وفلان ؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار " قالا : غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟ قال : " فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه ، والذي نفسي بيده ، إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها " ] إسناده صحيح ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثني أبي ، حدثنا واصل - مولى ابن عيينة - حدثني خالد بن عرفطة ، عن طلحة بن نافع ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتفعت ريح جيفة منتنة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين " .

طريق أخرى : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن سليمان ، عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن جابر قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فهاجت ريح منتنة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن نفرا من المنافقين اغتابوا ناسا من المسلمين ، فلذلك بعثت هذه الريح " وربما قال : " فلذلك هاجت هذه الريح " .

وقال السدي في قوله : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) : زعم أن سلمان الفارسي كان مع رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر يخدمهما ويخف لهما ، وينال من طعامهما ، وأن سلمان لما سار الناس ذات يوم وبقي سلمان نائما ، لم يسر معهم ، فجعل صاحباه يكلمانه فلم يجداه ، فضربا الخباء فقالا : ما يريد سلمان - أو : هذا العبد - شيئا غير هذا : أن يجيء إلى طعام مقدور ، وخباء مضروب ! فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب لهما إداما ، فانطلق فأتى رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] ومعه قدح له ، فقال : يا رسول الله ، بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك ؟ قال : " ما يصنع أصحابك بالأدم ؟ قد ائتدموا " . فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقا حتى أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : لا والذي بعثك بالحق ، ما أصبنا طعاما منذ نزلنا . قال : " إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما " .

قال : ونزلت : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ) ، إنه كان نائما .

وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه " المختارة " من طريق حبان بن هلال ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار ، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما ، فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما ، فقالا : إن هذا لنئوم ، فأيقظاه ، فقالا له : ائت رسول الله فقل له : إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام ، ويستأدمانك .

فقال : " إنهما قد ائتدما " فجاءا فقالا : يا رسول الله ، بأي شيء ائتدمنا ؟ فقال : " بلحم أخيكما ، والذي نفسي بيده ، إني لأرى لحمه بين ثناياكما " . فقالا : استغفر لنا يا رسول الله فقال : " مراه فليستغفر لكما " .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا محمد بن مسلم ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمه موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أكل من لحم أخيه في الدنيا ، قرب له لحمه في الآخرة ، فيقال له : كله ميتا كما أكلته حيا . قال : فيأكله ويكلح ويصيح " . غريب جدا .

وقوله : ( واتقوا الله ) أي : فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فراقبوه في ذلك واخشوا منه ، ( إن الله تواب رحيم ) أي : تواب على من تاب إليه ، رحيم بمن رجع إليه ، واعتمد عليه .

قال الجمهور من العلماء : طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ، ويعزم على ألا يعود . وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ، وأن يتحلل من الذي اغتابه . وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ، فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته ، فتكون تلك بتلك ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا أحمد بن الحجاج ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن سليمان ; أن إسماعيل بن يحيى المعافري أخبره أن سهل بن معاذ بن أنس الجهني أخبره ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من حمى مؤمنا من منافق يعيبه ، بعث الله إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم . ومن رمى مؤمنا بشيء يريد شينه ، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " . وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله - وهو ابن المبارك - به بنحوه .

وقال أبو داود أيضا : حدثنا إسحاق بن الصباح ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا الليث : حدثني يحيى بن سليم ; أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول : سمعت جابر بن عبد الله ، وأبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ، إلا خذله الله في مواطن يحب فيها نصرته . وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب فيها نصرته " . تفرد به أبو داود .


تفسير الطبري :

فيه عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} قيل : إنها نزلت في رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اغتابا رفيقهما. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ضم الرجل المحتاج إلى الرجلين الموسرين فيخدمهما. فضم سلمان إلى رجلين، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ لهما شيئا، فجاءا فلم يجدا طعاما وإداما، فقالا له : انطلق فاطلب لنا من النبي صلى الله عليه وسلم طعاما وإداما، فذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اذهب إلى أسامة بن زيد فقل له إن كان عندك فضل من طعام فليعطك) وكان أسامة خازن النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، فقال أسامة : ما عندي شيء، فرجع إليهما فأخبرهما، فقالا : قد كان عنده ولكنه بخل. ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا، فقالا : لو بعثنا سلمان إلى بئر سُمَيحة لغار ماؤها. ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، فرآهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقالا : يا نبي الله، والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما ولا غيره. فقال : (ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة) فنزلت {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} ذكره الثعلبي. أي لا تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير. الثانية: ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) لفظ البخاري. قال علماؤنا : فالظن هنا وفي الآية هو التهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى {ولا تجسسوا} وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وإن شئت قلت : والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والعلاج، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من أشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء). وعن الحسن : كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت. الثالثة: وللظن حالتان : حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات. والحالة الثانيه : أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا. وقد أنكرت جماعة من المبتدعة تعبدالله بالظن وجواز العمل به، تحكما في الدين ودعوى في المعقول. وليس في ذلك أصل يعول عليه، فإن البارئ تعالى لم يذم جميعه، وإنما أورد الذم في بعضه. وربما تعلقوا بحديث أبي هريرة (إياكم والظن) فإن هذا لا حجة فيه، لأن الظن في الشريعة قسمان : محمود ومذموم، فالمحمود منه ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه. والمذموم ضده، بدلالة قوله تعالى{إن بعض الظن إثم}، وقوله {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [النور : 12]، وقوله {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} [الفتح : 12] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ولا أزكي على الله أحدا). وقال : (إذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وإذا تطيرت فامض) خرجه أبو داود وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح، قاله المهدوي. الرابعة: قوله تعالى {ولا تجسسوا} قرأ أبو رجاء والحسن باختلاف وغيرهما {ولا تحسسوا} بالحاء. واختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين، فقال الأخفش : ليس تبعد إحداهما من الأخرى، لأن التجسس البحث عما يكتم عنك. والتحسس بالحاء طلب الأخبار والبحث عنها. وقيل : إن التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل : رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور. وبالحاء : هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه. وقول ثان في الفرق : أنه بالحاء تطلبه لنفسه، وبالجيم أن يكون رسولا لغيره، قال ثعلب. والأول أعرف. جسست الأخبار وتجسستها أي تفحصت عنها، ومنه الجاسوس. ومعنى الآية : خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله. وفي كتاب أبى داود عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم) فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها. وعن المقدام بن معد يكرب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم). وعن زيد بن وهب قال : أتي ابن مسعود فقيل : هذا فلان تقطر لحيته خمرا. فقال عبدالله : إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. وعن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته). وقال عبدالرحمن بن عوف : حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شُرّب فما ترى !؟ قلت : أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى {ولا تجسسوا} وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم. وقال أبو قلابة : حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن : إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه. وقال زيد بن أسلم : خرج عمر وعبدالرحمن يعسان، إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح الباب، فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح، فقال عمر : وأنت بهذا يا فلان؟ فقال : وأنت بهذا يا أمير المؤمنين! قال عمر : فمن هذه منك؟ قال امرأتي، قال فما في هذا القدح؟ قال ماء زلال، فقال للمرأة : وما الذي تغنين؟ فقالت : تطاول هذا الليل واسود جانبه ** وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه ** لزعزع من هذا السرير جوانبه ولكن عقلي والحياء يكفني ** وأ كرم بعلي أن تنال مراكبه ثم قال الرجل : ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال الله تعالى{ولا تجسسوا}. قال صدقت. قلت : لا يفهم من هذا الخبر أن المرأة كانت غير زوجة الرجل، لأن عمر لا يقر على الزنى، وإنما غنت بتلك الأبيات تذكارا لزوجها، وأنها قالتها في مغيبه عنها. والله أعلم. وقال عمرو بن دينار : كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت، فكان يعودها فماتت فدفنها. فكان هو الذي نزل في قبرها، فسقط من كمه كيس فيه دنانير، فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال : لأكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه، فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا، فجاء إلى أمه فقال : أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت : قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها فلم يزل بها حتى قالت له : كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلاة عن مواقيتها، وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم فألقمت أذنها أبوابهم، فتجسس عليهم وتخرج أسرارهم، فقال : بهذا هلكت الخامسة: قوله تعالى {ولا يغتب بعضكم بعضا} نهى عز وجل عن الغيبة، وهي أن تذكر الرجل بما فيه، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان. ثبت معناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا : الله ورسول أعلم. قال : (ذكرك أخاك بما يكره) قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته). يقال : اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب. قال الحسن : الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى : الغيبة والإفك والبهتان. فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه. وعن شعبة قال : قال لي معاومة - يعني ابن قرة - : لو مر بك رجل أقطع، فقلت هذا أقطع كان غيبة. قال شعبة : فذكرته لأبي إسحاق فقال صدق. وروى أبو هريرة أن الأسلمي ماعزا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنى فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما. ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال : (أين فلان وفلان)؟ فقالا : نحن ذا يا رسول الله، قال : (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) فقالا : يا نبي الله ومن يأكل من هذا ! قال : (فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) السادسة: قوله تعالى {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} مثل الله الغيبة بأكل الميتة، لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه. وقال ابن عباس : إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس. وقال قتادة : كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا. واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية. قال الشاعر : فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وقال صلى الله عليه وسلم : (ما صام من ظل يأكل لحوم الناس). فشبه الوقيعة في الناس بأكل لحومهم. فمن تنقص مسلما أو ثلم عرضه فهو كالآكل لحمه حيا، ومن اغتابه فهو كالآكل لحمه ميتا. في كتاب أبي داود عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم). وعن المستورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن أقام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة). وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين). وقوله للرجلين : (ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما). وقال أبو قلابة الرقاشي : سمعت أبا عاصم يقول : ما اغتبت أحدا مذ عرفت ما في الغيبة. وكان ميمون بن سياه لا يغتاب أحدا، ولا يدع أحدا يغتاب أحدا عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام. وذكر الثعلبي من حديث أبي هريرة قال : قام رجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا في قيامه عجزا فقالوا : يا رسول الله ما أعجز فلانا فقال : (أكلتم لحم أخيكم وأغتبتموه). وعن سفيان الثوري قال : أدني الغيبة أن تقول إن فلانا جعد قطط، إلا أنه يكره ذلك. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إياكم وذكر الناس فإنه داء، وعليكم بذكر الله فإنه شفاء. وسمع علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلا يغتاب آخر، فقال : إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس. وقيل لعمرو بن عبيد : لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك، قال : إياه فارحموا. وقال رجل للحسن : بلغني أنك تغتابني فقال : لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي. السابعة: ذهب قوم إلى أن الغيبة لا تكون إلا في الدين ولا تكون في الخلقة والحسب. وقالوا : ذلك فعل الله به. وذهب آخرون إلى عكس هذا فقالوا : لا تكون الغيبة إلا في الخَلْق والخُلُق والحسب. والغيبة في الخَلْق أشد، لأن من عيب صنعة فإنما عيب صانعها. وهذا كله مردود. أما الأول فيرده حديث عائشة حين قالت في صفية : إنها امرأة قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته).خرجه أبو داود. وقال فيه الترمذي : حديث حسن صحيح وما كان في معناه حسب ما تقدم. وإجماع العلماء قديما على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب. وأما الثاني فمردود أيضا عند جميع العلماء، لأن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين، لأن عيب الدين أعظم العيب، فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه. وكفى ردا لمن قال هذا القول قول عليه السلام : (إذا قلت في أخيك ما يكره فقد أغتبته...) الحديث. فمن زعم أن ذلك ليس بغيبة فقد رد ما قال النبي صلى الله عليه وسلم نصا. وكفى بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) وذلك عام للدين والدنيا. وقول النبي : (من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرضه أو ماله فليتحلله منه). فعم كل عرض، فمن خص من ذلك شيئا دون شيء فقد عارض ما قال النبي صلى الله عليه وسلم. الثامنة: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل. وهل يستحل المغتاب؟ اختلف فيه، فقالت فرقة : ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه. واحتجت بأنه لم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، فليس ذلك بمظلمة يستحلها منه، وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعوض في المال والبدن. وقال فرقة : هي مظلمة، وكفارتها الاستغفار لصاحبها الذي اغتابه. واحتجت بحديث يروي عن الحسن قال : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. وقالت فرقة : هي مظلمة وعليه الاستحلال منها. واحتجت بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته). خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). وقد تقدم هذا المعنى في سورة [آل عمران]عند قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} [آل عمران : 169]. وقد روي من حديث عائشة أن امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة : ما أطول ذيلها فقالت لها عائشة : لقد اغتبتيها فاستحليها. فدلت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظلمة يجب على المغتاب استحلالها. وأما قول من قال : إنما الغيبة في المال والبدن، فقد أجمعت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمة يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه، وذلك ليس في البدن ولا في المال، ففي ذلك دليل على أن الظلم في العرض والبدن والمال، وقد قال الله تعالى في القاذف {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور : 13]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من بهت مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في طينة الخبال). وذلك كله في غير المال والبدن. وأما من قال : إنها مظلمة، وكفارة المظلمة أن يستغفر لصاحبها، فقد ناقض إذ سماها مظلمة ثم قال : كفارتها أن يستغفر لصاحبها، لأن قول مظلمة تثبت ظلامة المظلوم، فإذا ثبتت الظلامة لم يزلها عن الظالم إلا إحلال المظلوم له. وأما قول الحسن فليس بحجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه). وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله، ورأى أنه لا يحل ما حرم الله عليه، منهم سعيد بن المسيب قال : لا أحلل من ظلمني. وقيل لابن سيرين : يا أبا بكر، هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده، فقال : إني لم أحرمها عليه فأحلها، إن الله حرم الغيبة عليه، وماكنت لأحل ما حرم الله عليه أبدا. وخبر النبي صلى الله عليه وسلم يدل على التحليل، وهو الحجة والمبين. والتحليل يدل على الرحمة وهو من وجه العفو، وقد قال تعالى {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشوري : 40]. التاسعة: ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر، فإن في الخبر (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له). وقال صلى الله عليه وسلم : (اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس). فالغيبة إذا في المرء الذي يستر نفسه. وروي عن الحسن أنه قال : ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب الهوي، والفاسق المعان، والإمام الجائر. وقال الحسن لما مات الحجاج : اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته - وفي رواية شينه - فإنه أتانا أخيفش أعيمش، يمد بيد قصيرة البنان، والله ما عرق فيها غبار في سبيل الله، يرجل جمته ويخطر في مشيته، ويصعد المنبر فيهدر حتى تفوته الصلاة. لا من الله يتقي، ولا من الناس يستحي، فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل : الصلاة أيها الرجل. ثم يقول الحسن : هيهات ! حال دون ذلك السيف والسوط. وروى الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ليس لأهل البدع غيبة. وكذلك قولك للقاضي تستعين به على أخذ حقك ممن ظلمك فتقول فلان ظلمني أو غضبني أو خانني أو ضربني أو قذفني أو أساء إلي، ليس بغيبة. وعلماء الأمة على ذلك مجمعة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : (لصاحب الحق مقال). وقال : (مطل الغني ظلم) وقال (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته). ومن ذلك الاستفتاء، كقول هند للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (نعم فخذي). فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها، ولم يرها مغتابة، لأنه لم يغير عليها، بل أجابها عليه الصلاة والسلام بالفتيا لها. وكذلك إذا كان في ذكره بالسوء فائدة، كقوله صلى الله عليه وسلم : (أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه). فهذا جائز، وكان مقصوده ألا تغتر فاطمة بنت قيس بهما. قال جميعه المحاسبي رحمه الله. العاشرة: قوله تعالى {مَيْتا} وقريء {ميّتا} وهو نصب على الحال من اللحم. ويجوز أن ينصب على الأخ، ولما قررهم عز وجل بأن أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله تعالى {فكرهتموه} وفيه وجهان : أحدهما : فكرهتم أكل الميتة فكذلك فاكرهوا الغيبة، روي معناه عن مجاهد. الثاني : فكرهتم أن يغتابكم الناس فاكرهوا غيبة الناس. وقال الفراء : أي فقد كرهتموه فلا تفعلوه. وقيل : لفظه خبر ومعناه أمر، أي اكرهوه. {واتقوا الله} عطف عليه. وقيل : عطف على قوله {اجتنبوا. ولا تجسسوا}. {إن الله تواب رحيم}.

التفسير الميسّر:

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين، رحيم بهم.

تفسير السعدي

نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـ { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه.

{ وَلَا تَجَسَّسُوا } أي: لا تفتشوا عن عورات المسلمين، ولا تتبعوها، واتركوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت، ظهر منها ما لا ينبغي.

{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه }

ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس [غاية الكراهة]، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، [فلتكرهوا] غيبته، وأكل لحمه حيًا.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.


تفسير البغوي

( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ) قيل : نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ، ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب ، فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره ، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام فلم يهيئ لهما شيئا ، فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا ؟ قال : لا ، غلبتني عيناي ، قالا له : انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطلب لنا منه طعاما ، فجاء سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله طعاما ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انطلق إلى أسامة بن زيد ، وقل له : إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك ، وكان أسامة خازن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى رحله ، فأتاه فقال : ما عندي شيء ، فرجع سلمان إليهما وأخبرهما ، فقالا كان عند أسامة طعام ولكن بخل ، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا ، فلما رجع قالا لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثم انطلقا يتجسسان ، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فلما جاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهما : " ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما " ، قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما ، قال : بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة ، فأنزل الله - عز وجل - : " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن " ، وأراد : أن يظن بأهل الخير سوءا ( إن بعض الظن إثم ) قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما إثم ، وهو أن تظن وتتكلم به ، والآخر ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم .

( ولا تجسسوا ) التجسس : هو البحث عن عيوب الناس ، نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا "

أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يحيى بن أكثم ، أخبرنا الفضل بن موسى الشيباني ، عن الحسين بن واقد ، عن أوفى بن دلهم ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - ما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورات المسلمين ، يتتبع الله عورته ، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .

قال : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك .

وقال زيد بن وهب : قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا ، فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، فإن يظهر لنا شيء نأخذه به ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) يقول : لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو الطاهر الحارثي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا فقالوا : لا يأكل حتى يطعم ، ولا يرحل حتى يرحل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغتبتموه " فقالوا : إنما حدثنا بما فيه ، قال : " حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه " .

قوله - عز وجل - : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) قال مجاهد : لما قيل لهم " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا " قالوا : لا ، قيل : ( فكرهتموه ) أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا .

قال الزجاج : تأويله : إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك ، وهو ميت لا يحس بذلك .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا الفريابي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثني صفوان بن عمرو ، حدثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " .

قال ميمون بن سياه : بينا أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول : كل ، قلت : يا عبد الله ولم آكل ؟ قال : بما اغتبت عبد فلان ، فقلت : والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا ، قال : لكنك استمعت ورضيت به ، فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا .

( واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) .


الإعراب:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً) سبق إعرابها (مِنَ الظَّنِّ) متعلقان بكثيرا (إِنَّ بَعْضَ) إن واسمها (الظَّنِّ) مضاف إليه (إِثْمٌ) خبرها والجملة الاسمية تعليل (وَلا تَجَسَّسُوا) مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (وَلا يَغْتَبْ) مضارع مجزوم بلا الناهية (بَعْضُكُمْ) فاعله (بَعْضاً) مفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها (أَيُحِبُّ) الهمزة حرف استفهام وتوبيخ ومضارع مرفوع (أَحَدُكُمْ) فاعل والجملة مستأنفة (أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ) مضارع منصوب بأن ومفعوله والفاعل مستتر (أَخِيهِ) مضاف إليه مجرور بالياء (مَيْتاً) حال والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب مفعول به (فَكَرِهْتُمُوهُ) الفاء الفصيحة وماض وفاعله ومفعوله والواو للإشباع والجملة الفعلية جواب شرط مقدر لا محل لها (وَاتَّقُوا) حرف استئناف وأمر مبني على حذف النون والواو فاعله (اللَّهَ) لفظ الجلالة مفعوله والجملة مستأنفة (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) إن واسمها وخبراها والجملة الاسمية تعليل لا محل لها

---

Traslation and Transliteration:

Ya ayyuha allatheena amanoo ijtaniboo katheeran mina alththanni inna baAAda alththanni ithmun wala tajassasoo wala yaghtab baAAdukum baAAdan ayuhibbu ahadukum an yakula lahma akheehi maytan fakarihtumoohu waittaqoo Allaha inna Allaha tawwabun raheemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة الحجرات (Al-Hujurat - The Rooms)
ترتيبها 49
عدد آياتها 18
عدد كلماتها 353
عدد حروفها 1493
معنى اسمها الحُجُرَاتُ: جَمْعُ (حُجْرةٍ)، وَهِيَ الغُرْفَةُ. وَالمُرَادُ (بالحُجُرَاتِ): بُيُوتُ النَّبِيِّ ﷺ وَعَدَدُهَا تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ، مَبْنِيَّةٌ مِنَ الطِّينِ وَجَرِيدِ النَّخْلِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ حَادِثَةِ (الحُجُرَاتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الحُجُرَاتِ)، وتُوصَفُ بِسُورَةِ (الآدَابِ وَالأَخْلاقِ)
مقاصدها بَيَانُ الأَدَبِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى اكْتِسَابِ الأَخْلاقِ الكَرِيمَةِ وَتَقْوِيمِ الأَخْلاقِ السَّيِّـئَـةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمَيمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ اخْتَلَفَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنه فِي شَأْنِهِمَا فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَزَلَتِ الآيَتَانِ مِن أَوَّلِ السُّورَةِ. (رَوَاهُ البُخارِي)
فضلها لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الحُجُرَاتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ خَبَرِ الأَعْرَابِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ٤﴾ ... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿۞ قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ ...١٤﴾،... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الحُجُرَاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْفَتْحِ): خُتِمَتِ (الْفَتْحُ) بِذِكْرِ الرَّسُولِ ﷺ وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ y فَقَالَ: ﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ ...٢٩﴾، وَافْتُتِحَتِ (الحُجُرَاتُ) بَأَدَبِ التَّعَامُلِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ١﴾.. الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!