الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثاني والخمسون: في بيان حقيقة الإحسان

اعلم أن حقيقة الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه كما صرح به في حديث سؤال جبريل للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وقال الجلال المحلي رحمه اللّه: حقيقة الإحسان مراقبة اللّه تعالى في جميع العبادات الشاملة للإيمان والإسلام أيضا حتى تقع عبادات العبد كلها في حال الكمال من الإخلاص وغيره انتهى.

وتقدم في مبحث مسألة خلق الأفعال والكسب أن علم العبد بأن اللّه تعالى يراه أكمل في التنزيه من شهوده هو للحق لأنه لا يشهده إلا بقدر دائرة عقله هو فقط وتعالى اللّه عن ذلك بخلاف علمه بأن اللّه يراه وتقدم فيه أيضا أن في الحديث إشارة لطيفة وهو أن صاحب مقام الإحسان إذا عبد اللّه كأنه يراه لم يجد الفعل إلا للّه وحده وليس للعبد فيه أثر وإنما له حكم فيه لكونه محلا لبروزه من الجوارح لا غير ومن شهد هذ المشهد فهو الذي أخلص عمله للّه ولم يشرك فيه نفسه مع اللّه. وتقدم أيضا في المباحث السابقة أن من كمال العبد أن يواخي بين العيان والإيمان فيكون مؤمنا بما هو مشاهده من غير حجاب وذلك حتى لا يفوته ثواب الإيمان بالغيب حال الشهود والمعاينة وأن ذلك مقام عزيز.

* - قال الشيخ محيي الدين في باب الأسرار من "الفتوحات": ولا يخفى أن الإيمان والإسلام مقدمتا الإحسان لأن الإيمان له التقدم والإسلام قال وإلا لم يقبل فهذا شفع قد ظهر والختام للوتر فأوتره الإحسان لأنه أول الأفراد الثلاثة لا الواحد فافهم. وقال فيه أيضا: اعلم أن الإيمان تصديق فلا يكون إلا عن مشاهدة الخبر في التخيل فلا بد من الإحسان والإسلام انقياد والانقياد لا يكون إلا لمن رأى يد الحق كما يليق بجلاله وهي آخذة بناصيته فانقاد طوعا فإن لم يرد الحق التي هي تأييده له ولا تخيلها فما انقاد إلا كرها والإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

(قلت): قد رأيت في كلام سيدي علي بن وفا رضي اللّه عنه أن وراء مقام الإحسان مقام آخر يسمى مقام الإيقان ولم أر ذلك في كلام غيره فليتأمل. وقد تقدم في مبحث الأجوبة عن الأنبياء أن أهل مقام الإحسان لا يتصور منهم معصية ما داموا في حضرة الإحسان وأن من هنا عصم الأنبياء وحفظ غيرهم من الأولياء لعكوف الأنبياء والأولياء في حضرة الإحسان، أما الأنبياء فهم فيها على الدوام وأما الأولياء فهم فيها في أغلب أحوالهم وغاية معصية أهل حضرة الإحسان أن يقعوا في خلاف الأولى لا في حرام ولا مكروه كما مر في الجواب عن آدم عليه السلام واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!