الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع: في وجوب اعتقاد أن اللّه تعالى ليس مثل معقول ولا دلت عليه العقول

* - قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] وإذا كان ليس كمثله شيء فمن المحال أن يضبطه اصطلاح لأن ما يشهده منه زيد ما هو عين ما يشهده منه زيد ما هو عين ما يشهده منه عمرو جملة واحدة ذكره الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والستين وثلاثمائة من "الفتوحات" قال: وبهذا القدر عرفه العارفون فل يتجلى تعالى قط في مشهد واحد لشخصين ولا يتكرر له تجل واحد لشخص مرتين وليس فوق هذا في المعرفة مقام.

* - قال وأما القدماء ومن تبعهم من الحكماء وغيرهم فقد اتفقوا على عقد واحد في اللّه تعالى وجعلوا ذلك ضابطا للحق وكل من خالفهم جرحوا في عقيدته وتعالى اللّه عن ذلك التقييد لأنه تعالى فعال لما يريد.

* - قال: ولهذا الذي قررناه كان لا يقدر عارف قط أن يوصل إلى عارف آخر صورة ما يشهده بقلبه من ربه عز وجل لأن كل واحد يشهد من لا مثل له ولا يكون التوصل إلا بالأمثال فالكامل من وصل إلى الحضرة التي يتفرغ منها سائر الاعتقادات الإسلامية وأقر عقائد الإسلام بحق وكان سيدي علي وفا رحمه اللّه يقول من أحاط بك ولم تحط به فلست مثله ولا على صورته فافهم. (فإن قلت) فما سبب عدم تكييف كل واحد ما شهده بقلبه من الحق

(فالجواب) إن سبب ذلك عدم ثبوت التجلي الواحد أكثر من آن واحد فل يثبت للعبد التجلي الإلهي آنين حتى يكفيه ويمثله وقد قال الشيخ في الباب الثالث والتسعين وثلاثمائة ما أثنى اللّه تعالى على نفسه بأعظم من نفي المثل ولا مثل له تعالى فإن قيل فهل الكاف في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] كاف الصفة أو زائدة

(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثالث والستين وثلاثمائة أن الكلام على ذلك من الفضول لأن العلم الحق لا يدرك فيها بالقياس ولا بالنظر بل هو راجع إلى قصد المتكلم ولا يعلم أحد ما في نفس الحق تعالى إلا بإفصاحه عن مراده وهو تعالى لم يفصح لنا عنها هل هي أصلية أو زائدة انتهى.

(فإن قيل) إن أفراد العالم يشارك الحق تعالى في كونه لا مثل له فإن قد اعتبرنا جميع الذوات فرأيناها لا بد أن يزيد

أحدها على الآخر أو ينقص فلا مثل لها على هذا وقال تعالى وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم: 22] فلا تكاد تجد صورة تشبه أخرى من كل وجه ولو اصطف لك ألف ألف صورة حتى لو زاد شعر واحد على آخر بشعرة خرج عن المثلية (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الخامس والثلاثين من "الفتوحات" أن الأمثال في العالم معقولة وإن كانت غير موجودة ويكفينا في التمييز عن الحق تعالى كونه معقولة وإن كان التوسع الإلهي يقتضي أن لا مثلية في جميع الأعيان الموجودة من كل وجه كل ذلك غيرة إلهية أن لا يقع إدراك الحق تعالى إلا على من لا مثل له موجود فإذن المثلية أمر معقول لا محقق فإن المثلية لو كانت صحيحة موجودة ما امتاز شيء في العالم عن شيء مما يقال هو مثل له فكان الذي امتاز به الشيء عن ذلك الشيء الآخر هو عين ذلك الشيء إذ ليس هناك ما يميزه عن غيره حقيقة. قال: وهذه المسألة من أغمض المسائل لأنه ماثم على ما قررناه مثل يوجد أصلا ولا يقدر على إنكار الأمثال لكن بالحدود لا غير ه.

* - وقال في الباب الثامن والتسعين ومائة من عرف الاتساع الإلهي علم أنه لا يتكرر شيء في الوجود وإنما وجود الأمثال في الصور يخيل لك أنها أعيان ما مضى وإنما هي أمثاله لا أعيانها ومثل الشيء ما هو عينه (مثاله) في الأشكال التربيع في كل مربع والاستدارة في كل مستدير فالشكل يريك كل متشكل لا يتغير والذي وقع عليه الحس ليس هو المتشكل وإنما هو الشكل فالشكل هو المعقول.

 

* - وقال في الباب الثاني والسبعين وثلاثمائةمن المحال أن يظهر أمر في صورة أمر آخر من غير مناسبة فهو مثله في النسبة لا مثله في العين ويسمى هذا في صناعة النحو فعل المقاربة تقول كاد النعام أن يطير وكاد العروس أن يكون أميرا.

* - وقال في باب الأسرار: ما حجب الرجال إل وجود الأمثال ولهذا نفى الحق تعالى المثلية عن نفسه تنزيها لقدسه وكل ما تصورته أو مثلته أو تخيلته هنالك فاللّه تعالى بخلاف ذلك هذا عقد الجماعة إلى قيام الساعة انتهى واللّه تعالى أعلم بالصواب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!