الفتوحات المكية

الرسالة القشيرية

للشيخ عبد الكريم القشيري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


1/174

فلم يزل يكلمه الجنيد حَتَّى بكي الشلبي فلما أخذ الشلبي فِي البكاء قَالَ الجنيد لامرأته: استتري فَقَدْ أفاق الشلبي من غيبته.
سمعت أبا نصر المؤذن بنيسابور وَكَانَ رجلا صالحا قَالَ: كنت أقرأ الْقُرْآن فِي مجلس الأستاذ أَبِي عَلِي الدقاق بنيسابور وقت كونه هناك وَكَانَ يتكلم فِي الحج كثيرا، فأثر فِي قلبي كلامه فخرجت إِلَى الحج تلك السنة وتركت الحانوت والحرفة وَكَانَ الأستاذ أَبُو عَلِي رحمه اللَّه خرج إِلَى الحج أَيْضًا فِي تلك السنة وكنت مدة كونه بنيسابور أخدمه وأوظب عَلَى القراءة فِي مجلسه فرأيته يوما فِي البادية تطهر ونسي قمقمة كانت بيده فحملتها، فلما عاد إِلَى رحله وضعتها عنده فَقَالَ: جزاك اللَّه تَعَالَى خيرا حيث حملت هَذَا، ثُمَّ نظر إلي طويلا كَأَنَّهُ لَمْ يرني قط وَقَالَ: رأيتك مرة أَنْتَ؟ .
فَقُلْتُ: المستغاث بالله تَعَالَى صحبتك مدة وخرجت عَن مسكني ومالي بسببك وتقطعت فِي المفازة بك والساعة تقول رأيتك مرة.
وَأَمَّا الحضور فَقَدْ يَكُون حاضرا بالحق لأنه إِذَا غاب عَنِ الخلق حضر بالحق عَلَى معني أَنَّهُ يَكُون كَأَنَّهُ حاضر وَذَلِكَ لاستيلاء ذكر الحق عَلَى قلبه فَهُوَ حاضر بقلبه بَيْنَ يدي ربه تَعَالَى فعلى حسب غيبته عَنِ الخلق يَكُون حضوره بالحق فَإِن غاب بالكلية كَانَ الحضور عَلَى حسب الغيبة.
فَإِذَا قيل فُلان حاضر فمعناه أَنَّهُ حاضر بقلبه لربه غَيْر غافل عَنْهُ ولا ساه مستديم للذكر ثُمَّ يَكُون مكاشفا فِي حضوره عَلَى حسب رتبته بمعان يخصه الحق سبحانه وتعالي بِهَا وَقَدْ يقال لرجوع العبد إِلَى أحساسه بأحوال نَفْسه وأحوال الخلق إنه حضر أي رجع عَن غيبته، فهذا يَكُون حضور بخلق وَالأَوَّل حضورا بحق، وَقَدْ تختلف أحوالهم فِي الغيبة، فمنهم من لا تمتد غيبته، وَمِنْهُم من تدوم غيبته وَقَدْ حكي أَن ذا النون الْمِصْرِي بعث إِنْسَانا من أَصْحَابه إِلَى أَبِي يَزِيد لينقل إِلَيْهِ صفة أَبِي يريد، فلما جاء الرجل إِلَى بسطام سأل عَن دار أَبِي يَزِيد فدخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يَزِيد: مَا تريد؟


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!