الفتوحات المكية

الرسالة القشيرية

للشيخ عبد الكريم القشيري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


1/171

ومن شاهد جريان القدرة فِي تصاريف الأَحْكَام يقال: فني عَن حسبان الحدثان من الخلق، فَإِذَا فني عَن توهم الآثار من الأغيار بقي بصفات الحق، ومن استولى عَلَيْهِ سلطان الحقيقة حَتَّى لَمْ يشهد من الأغيار لاعينا ولا أثرا ولا رسما ولا طللا يقال إنه فني عَنِ الخلق، وبقي بالحق ففناء العبد عَن أفعاله الذميمة وأحواله الخسيسة بعدم هذه الأفعال، وفناؤه عَن نَفْسه وعن الخلق بزوال إحساسه بنفسه وبهم فَإِذَا فني عَنِ الأفعال والأخلاق والأحوال فلا يَجُوز أَن يَكُون مَا فني عَنْهُ من ذَلِكَ موجودا، وإذا قيل فني عَن نَفْسه وعن الخلق فنفسه موجودة والخلق موجودون ولكنه لا علم لَهُ بِهِمْ ولابه ولا إحساس ولا خبر فتكون نَفْسه موجودة والخلق موجودين ولكنه غافل عَن نَفْسه وعن الخلق أجمعين غَيْر محس بنفسه وبالخلق وَقَدْ ترى الرجل يدخل عَلَى ذي سلطان أَوْ محتشم فيذهل عَن نَفْسه وعن أهل مجلسه هيبة وربما يذهل عَن ذَلِكَ المحتشم حَتَّى إِذَا سئل بَعْد خروجه من عنده عَن أهل مجلسه وهيئات ذَلِكَ الصدر وهيئات نَفْسه لَمْ يكن الإخبار عَن شَيْء قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] لَمْ يجدن عِنْدَ لقاء يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الوهلة ألم قطع الأيدي وهن
أضعف النَّاس وقلن: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] ولقد كَانَ بشرا وقلن {إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] وَلَمْ يكن ملكا فهذا تغافل مخلوق عَن أحواله عِنْدَ لقاء مخلوق فَمَا ظنك بمن تكاشف بشهود الحق سبحانه فلو تغافل عَن إحساسه بنفسه وأبناء جنسه فأي أعجوبة فِيهِ فمن فني عَن جهله بقي بعلمه، ومن فني عَن شهوته بقى بإنابته، ومن فني عَن رغبته يفي بزهادته، ومن فني عَن منيته بقي بإرادته،


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!