الفتوحات المكية

شرح مشكلات الفتوحات المكية

وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية

منسوب للشيخ عبد الكريم الجيلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

أم بعد ؛ فإنه لما كان العلم باللّه ، أعظم العلوم قدرا وأرفعها فخرا وأدقها معنى وأجلها سرّا ، إذ هو الغرض اللازم والواجب الدائم ، فحكمه ماض في الأولى والأخرى ؛ وما سواه من العلوم ، ينقطع حكمه بانصرام الدنيا .

وهو المقصود من معرفة سائر العلوم ، وبه لا بغيره تفتخر العقول والفهوم . والعلماء به ، هم أهل الولاية الكبرى والمكانة الزّلفى ، وهم أفضل العلماء - على الإطلاق - بالتفصيل والإجمال ، وأجمعهم لكل وصف محمود من صفات المجد والكمال . فهم الخلفاء ، الكملاء ، الأدباء ، الأمناء ؛ وفيهم قال اللّه : إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [ فاطر :28 ].

أردت - بإذن اللّه - أن أمنح عباد اللّه شربا من عباب المعارف ، وأظهر لهم حلاوة العلم بترتيب الحكمة في الآلاء والعوارف . وكانت الفتوحات المكية التي ألّفها الوليّ الأكبر والقطب الأعظم الأفخر ، مظهر الصفة العلمية ، ومجلى الكمالات العينية والحكمية ، لسان الحقيقة وأستاذ الطريقة ، المتبوع التابع لآثار الشريعة : محيي الدين ، قدّامة الأولياء المقرّبين ، أبو عبد اللّه محمد بن عليّ بن محمد بن العربي الحاتمي الطائي المغربي الأندلس « المتوفى سنة 638 هـ» ، قدّس اللّه سرّه وأعلى عنده مقامه وقدره ؛ أعظم الكتب المصنّفة في هذا العلم نفعا ، وأكثره لغرائبه وعجائبه جمعا ، وأجلّها إحاطة ووسع .

تكلّم فيها بألسنة كثيرة ، وأفصح عن معان غريبة خطيرة ؛ فصرّح تارة عن حالة ، ورمز أخرى عن حال .

وأفصح طورا عن مقصود ، وأدمج أخرى عن مراد في المقال .

ولم يزل - رضي اللّه عنه - يتكلّم في هذا الكتاب على حقائق الأشياء ، حتى آل به الأمر إلى الإسهاب والإطناب فعسر على الأكثرين تحصيله ، وفات عن الغالب معرفته وتأويله .

وصار الناس فيه بين أحد رجلين :

رجل عجز عن تحصيل الكتاب ، وعن انتوال الفائدة منه ، وخاب ،

ورجل حصّل ، وعجز عن معرفة ما أراده الشيخ من كنايات عجيبة وإشارات غريبة ، فانقطع بالكلية عن درك علمه ؛ لأنه : يحتار عقل كل فاضل ولبيب ، في حلّ مشكل ذلك الرمز الغريب .

لكنه - رضي اللّه عنه - صرّح بأنه جمع معاني العلوم المبسوطة في ذلك الكتاب ،وجعله مرموزة في الباب التاسع والخمسين بعد الخمسمائة من الأبواب،

وكفّ ذلك النّشر ، وأدمج ذلك العلم الكبير القدر ، الكثير الفخر ، على وضعه العجيب وأسلوبه العزيز الغريب ، فانغلق بالكلية فهم ما جعله في ذلك الباب ، على كثير من أولي الألباب .

فقصدت بشرح هذا الباب المخصوص ، حلّ جميع مشكلات الكتاب.

واختصرت في الكلام ، لئلا يفضي إلى الإسهاب والإطناب ، وسميته :

شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية.

غير أني سأتحفه تهذيبا ، وأجعله على أسلوب الكتاب ترتيبا ؛ ومن اللّه المرجو أن يعمّ به الانتفاع ، ويقدح بأسماعه زناد الأسماع ، فيفهم معانيه كل من سمعه أو نظر فيه ، إنه وليّ الإجابة ، والموفّق للإصابة .

وهو المستعان وعليه التكلان .


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!