شرح مشكلات الفتوحات المكية
وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية
منسوب للشيخ عبد الكريم الجيلي
الباب الأول نحن محلّ انجلاء كلّ شيء وظهوره
أسرار إلهية :قال الإمام رضي اللّه عنه : الباب التاسع والخمسون بعد الخمسمائة ، في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة .
أراد بالأسرار :اللطائف الإلهية التي أودعها في ذوات الموجودات ، فاختصّ كل موجود بلطيفة هي محتده من كمال الحقّ تعالى ، بها يرجع إلى ربّه ؛ وهي الحاكمة على روحه وقلبه ، ومن ثمّ قيل : بين العبد وربّه سرّ لا يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل .
وسبب ذلك ، أن كلّ شيء من الموجودات مملوء بما أودعه اللّه فيه من خصائصه ، فليس في شيء فضلة يسع بها ما في غيره . فما لكل أحد من اللّه ، إلا ما هو عليه ذلك الشخص منه ، غير هذا لا يكون ؛ ولكن قد يكون سرّ بعض الأشخاص ذاتيا ، فيرجع إليه في الحكم ، جميع أسرار الموجودات ؛ لضرورة رجوع الصفات إلى الذات ، فيحوي كل م حواه الوجود ، إجمالا وتفصيلا ، وليس له على التفصيل ، إلا ما هو عليه عينا ووجودا . فافهم .
وأراد بالحقائق :ما تقتضيه تلك الأسرار من الأوصاف والنّسب الإلهية الحقيقية .
وأراد بالمنازل :أطوار المراتب المختلفة ، لأنه لا يمكن أن تجتمع مخلوقات في مرتبة من المراتب الإبداعية . هذا لا يكون أبدا ، لأن اللّه تعالى أوسع من أن يتجلّى على عبدين بصفة واحدة ، أو بصفة على عبد مرتين .
فليس في الوجود شيء مكرّر ؛ بل كل شيء له مرتبة مخصوصة به ، وصفة من صفات اللّه تعالى يرجع بها إليه ، واسم حاكم له وعليه .
ولولا ذلك لاختلطت الجزئيات ورجعت إلى الأمر الكلّي ، وانبهم الأمر التفصيلي ، والتحق بعض الوجود ببعض ، فزال الضّدّ والنظير ، فاتّحد الماء بالنار ، وبطل حكم التركيب ، وليس هذا إلا في البداية والنهاية ، وأما في البرزخ الفاصل بين الأزل والأبد ، فلا بد من رعاية ترتيب الحكمة الإلهية التي بها قامت الأحكام وتميّز الكفر والإسلام وظهرت الربوبية والعبودية ، إلى غير ذلك من المراتب الخلقية والمظاهر الحقّية التي قصد الإمام - رضي اللّه عنه - أن يتكلّم عليها في هذا الباب .
فأول ما أنشأ في ذلك ، قال: للّه في خلقه نذير يعلمهم أنه البشير . أراد رضي اللّه عنه بالنذير والبشير : الحقيقة المحمدية الكلية ، التي هي موجودة بجريانه في كل نبيّ ووليّ بالعين والشهود . وفيما عدا هذين الوصفين - بالحكم والوجود - فهي على التحقيق روح الأرواح ، ولهذا قال : وهو السّراج الذي سناه يبهر ألبابنا المنير .
أي ، الحقيقة المحمدية هي النور الذي يقع به التميّز ، ومن ثمّ عبّر رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم عن روحه الكريمة بالعقل، فقال في حديث : «أول ما خلق اللّه العقل».
وقد ورد عنه أنه قال :« أول ما خلق اللّه روح نبيّك يا جابر ».
فعلمنا أن روحه هي العقل الذي به ظهر الوجود ، وتميّز العابد من المعبود ، لأن اللّه تعالى جعل العقل الأول جامعا لحقائق الموجودات ، وأبرزها منه على الترتيب الذي أراده في علمه ، وقضى به في حكمه .
والدليل على ذلك ، ما ورد في الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم ، أنه قال حاكيا عن اللّه تعالى أنه قال للقلم : « اكتب . فكتب في اللوح المحفوظ ، ما كان ، وما يكون ، وما هو كائن إلى يوم القيامة » .
والقلم هو العقل الأول المعبّر عنه بالروح المحمدية ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « أول ما خلق اللّه القلم » . فوجه الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة ، أن يكون المراد بجميعها واحد .
ثم نبّه الشيخ - رضي اللّه عنه - على تحقيق ظهور صفات العقل الأولفي كل قطب كامل بقوله : في كل عصر له شخيص تجري بأنفاسه الدهور .
يعني :لظهور صفات الحقيقة المحمدية في كل عصر ، إمام مستكمل الشروط القطبية . تجري بأنفاسه الدهور . أي : يتحكّم في حركات الوجود وسكناته حسبما يقتضيه الكمال الإلهي ، خلافة محمدية .
وكان أول ظاهر بهذ المقام ، أبونا آدم عليه الصلاة والسلام . وهو لنا ، بحكم الوراثة من أبينا . وسيكون آخر من يظهر بهذ المقام ، عيسى عليه الصلاة والسلام .
ولما فرغ الشيخ ، رضي اللّه عنه ، من تعريفه، أراد أن يصرّح أنه لا يكون في الزمان ، إلا لواحد ، فقال : عيّنه في الوجود فردا ، الواجد العالم البصير.
أي ذكره على التعيين ، أنه يكون فردا في الوجود ، لا منازع له فيه ؛ فعيّنه النّور المحمديّ الجزئيّ ، الذي هو روح .
والشيخ رضي اللّه عنه ، عبّر عنه بالواجد - بالجيم - لكونه وجده كذلك في سرّه ، وعلمه بإعلام اللّه إياه ، ورآه ببصره - فالوجود يتعلق بالإدراك ، والإعلام بالسمع ، والرؤية بالبصر ، فلهذا قال : عيّنه الواجد العالم البصير .
* * *
ولما فرغ الشيخ من التنبيه على ذلك ، استأنف الكلام ، ونادى حقيقة؛ فقال : يا واجدا مجده تعالى ، ليس له في الورى نظير . إعلم أنه ليس كل من عرف اللّه تعالى ، وجد عنده تعظيم فمجّده كما ينبغي له ؛ وإنما يحصل ذلك للكمّل من أوليائه . ولهذا نبّه على ذلك من نفسه بقوله : « يا واجدا مجّده » ، أي عظّمه اللّه تعالى .
ولما كان في المحل مظنة لقول من يقول له : كأنك تقول إن القطب كالحق ، يتصرّف في العالم تصرّفه ؟ !
قال في الجواب ، دفعا لذلك السؤال: " ليس له في الورى نظير " ليزول توهّم السامع ، فلا يطعن في اعتقاد الشيخ .
ويحتمل أن يكون قوله « ي واحدا » بالحاء المهملة ، ويكون حينئذ " مجده " مرفوعا على أنه فاعل تعالى ؛فيكون تقديره :يا واحدا تعالى مجده . ويكون الخطاب حينئذ للذات الإلهية ، التي هي ذاته وذات كل ذات ؛ فافهم .
ثم إنه أراد أن يبيّن أن ذلك التصريف المنسوب إلى القطب ، راجع إلى اللّه تعالى .فقال :ليس لأنواره ظهور ، إلا بنا ؛ إذ لنا الظهور
أراد بالأنوار :الصفات والأسماء الإلهية التي لا ظهور لها ، إلا بوجود الخلق . لأنه يستحيل ظهور الرازق ول مرزوق ، والخالق لا مخلوق ، والقادر ولا مقدور عليه ، إلى غير هذه المعاني ، مما لمقتضى الأسماء والصفات ؛ ولهذا قال : ونحن مجلى لكل شيء يظهر في عينه الأمور . الضمير في عينه ، يرجع إلى « مجلى ».
والمراد :نحن مظهر لكل شيء ، تظهر الأمور في عين ذلك المظهر ؛ أي تبدو فينا كلّ الأمور ، لأنّا مجلى كل شيء ومظهره ، لأن الحقّ الذي هو أصل جميع الأشياء ، إنما ظهر بنا من حيث ذواتنا وأعياننا ؛ فبنا تصوّر ، وفينا ظهر .
فنحن :محل انجلاء كل شيء وظهوره .
إعلم،أيّدنا اللّه وإيّاك ، أن الشيخ - رضي اللّه عنه - لفّ في هذه الأبياتجميع ما أراد نشره في هذا الباب .
ولما أراد التنبيه على عظم هذا الباب قال :إعلم أيّدنا اللّه وإياك بروح القدس ، أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب .
هو الباب الجامع لفنون الأنوار الساطعة ، والبروق اللامعة، والأحوال الحاكمة ، والمقامات الراسخة ، والمعارف اللدنية ، والعلوم الإلهية ، والمنازل المشهودة ، والمعاملات الأقدسية ، والأذكار المنتجة ، والمخاطبات المبهجة ، والنّفثات الروحية ، والقابلات الرّوعية . وكل ما يعطيه الكشف ، ويشهد له الحق الصرف .
التأييد ،هو المدد . وروح القدس ،هي الحقيقة الإسرافيلية التي تظهر على هياكل المحقّقين ، لتقدّس أرواحهم من نقائص أحكام البشرية وغيره . و « من » زائدة ؛فتقديره :إن هذا الباب أشرف أبواب الكتاب . لكونه هو الباب الحاوي لفنون - أي لجنس - الأنوار الساطعة ، وهي البوادي والبواده التي تفجأ العبّاد والزّهاد من مطالعات أنوار عجائب الملكوت .
والبروق اللامعة ، هي عبارة عن مبادئ ظهور أنوار التجليّات؛ وهي لأهل البداية . والأحوال الحاكمة ؛ يعني على المريدين : كالشوق ، والوله ، والقلق ، والحزن ، والقبض ، والبسط ، وأمثال ذلك . والمقامات الراسخة ؛ للسالكين : كالرضى ، والتفويض ، والزهد ، والمراقبة ، والمحاسبة ، وأمثال ذلك .
والمعارف اللدنية ؛ للعارفين :وهي العلوم الواردة عليهم من قبل الحق بلا واسطة ، لأنها من لدنه تعالى .
والعلوم الإلهية ؛ هي ما أدركه المحقّقون من المعلومات ، على حقيقة الاتصاف بالصفة العلمية الإلهية . . فهي من عين علم اللّه بذاته وبمخلوقاته . والمنازل المشهودة ؛ يعني مقامات الأولياء في اللّه تعالى ، من الغوثية والفردية والبدلية ، وغير ذلك . والمعاملات الأقدسية ؛ هي التي من شأن الملامتية في جميع أحوالهم وحركاتهم . . ولأجل ذلك جعلها " أقدسية " ولم يجعله « قدسية » لأنهم ذاتيّون ، فكل ما ينسب إلى الذات من حيث هو ذات ، يسمى « أقدسي » وكل ما ينسب إلى ما ينزل عن التجلي الذاتي - كتجليّات الأسماء والصفات - يسمى قدسي .
والأذكار المنتجة ؛ التي هي من أوراد الصوفية ، أهل الاستقامة على الطريقة والشريعة . والمخاطبات المبهجة ؛ التي هي لأرواح الملائكة من الحق تعالى ، فيما يخصّ كلامهم على العموم ، ولأرواح عباد اللّه على الخصوص . وقد شرحنا طرف منها ، في كتابنا المسمى « بالناموس الأعظم والقاموس الأقدم في معرفة قدر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم » فافهم .
والنّفثات الروحية ؛ هي التي من شأن سادات الملائكة على التخصيص ، ونودي لهم أن يلقوا على من أراد اللّه تعالى من عباده ؛ فالنفث هو الإلقاء ، وهو للأنبياء وحي ، وللأولياء إلهام .
والقابلات الروعية ؛ يعني بالقابل : الكون ، وبالروع : النفس .
يريد بذلك :المظاهر الموجوة من نفس الحق فيه . وكلّ ما يعطيه الكشف ؛ يريد : من العلوم التي هي من وراء أطوار العقل والنقل ، فلا يدرك إلا بالكشف . وما شهد له الحق الصرف ؛ يعني علم بالكتاب والسّنّة ، وحكم العقل السليم .
فجمع هذ الباب ، أصناف العلوم المتعلّقة بالحق والخلق ، وما في الوجود سوى ذلك ، فحوى جميع علوم الوجود .
ثم نبّه الشيخ - رضي اللّه عنه-على إحاطة هذا الباب بجميع ما في كتاب الفتوحات ،فقال : ضمّنت هذا الباب ما يتعلّق بأبواب هذا الكتاب مما لا بد من التنبيه عليه ، مرتّبا من الباب الأول إلى آخره - يعني آخر الكتاب - فمن ذلك ، أي فمن بعض ما تضمّنههذا الباب من العلوم المذكورة :سر الإمام المبين ؛ وهو الروح الذي تكلّم عليه في الباب الأول من الفتوحات ، وهو حقيقة الختم ؛ وهي اللطيفة الذاتية المتعيّنة في الصورة الجزئية ، بالكمالات الكلية .
فالسّرّ هو اللطيفة المذكورة ؛ والإمام المبين هو الروح الإضافية ، وقد عبّر عنها بقوله : الإمام المبيّن هو الصادق الذي لا يمين .
الفرق بين الروح الإضافية والسرّ ، أن السر هو اللطيفة الذاتية بنظره إلى الكمالات الإلهية ، من غير اعتبار المظهر .
والروح الإضافية ، هي عين تلك اللطيفة الذاتية ، لكن باعتبار المظهر وإضافته إلى الظاهر فيه .
وإنما سمّي السرّ سرّا ، لأنه تحذية بسرّ الربوبية المحضة، تحقيقا لما تقتضيه الذات الإلهية . وأدب الموطن يقتضي عدم الإفشاء بذلك.
والحكم المسماة إنسانا وآدمي وعبدا ، لمقتضياته الذاتية له ، اللازمة لصورته الناقصة المباينة للكمال ، لئلا يلزم التناقض بين حاله ومقامه ، إذ ليس ذلك من الشؤون الكمالية . فكتمه لذلك المعنى من عين أوصاف الرتبة الكمالية فجعل ذلك التحذّي سرا ل جهرا ، لما يقتضيه الكمال من صفة الحق ، وأدب المقام اللازم للخلق .
ثم تكلّم على تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال : مجلى ما أحاط به العلم ، وتشكّل فيه الكيف والكم .
هو - أي الروح - محلّ انجلاء العلم الإلهي . يعني أن الروح المقدّسة ، التي هي عين الروح الإضافي والسّرّ الذاتي ؛ هي عين العقل الأول المعبّر عنه بالقلم الأعلى . ولهذا كان مجلى المعلومات الإلهية ،
مما هو معنى :
كالصفات والأعراض ، أو صورة : كالذوات والجواهر . وعن ذلك عبّر بما " تشكلّ الكيف فيه" .
ثم تكلّم عل تلك اللطيفة بعبارة أخرى ؛ فقال: وجلت به الأعراض ، وفعل بالإرادات والأغراض ، فانفعلت به الأوعية المراض .
أراد أن يبيّن أن تلك اللطيفة هي الروح الإنسانية ، التي هي المدبّرة للجسم ، فهي جوهر يحلّ العرض فيه ، ويفعل في عالمه وفي تدبير جسمه بالإرادة متى اختار ، وتنفعل له الأجسام التي تحت تدبيره . .
وإنما سمّاها الأوعية المراض ، لأن الأجسام كالأرواح ، من حيث أنها عين الحق ؛ فلنقصان تحققها في الظهور بالصفات الإلهية التي تظهر في الأرواح ، سمّيت مراض لأنها ليست في صحة اعتدال الأرواح .
فلما فرغ الشيخ - رضي اللّه عنه - من العبارة عن أطوار هذه الروح ،تكلّم عنها عند نهايتها في الرتبة الكمالية .
لأنه رضي اللّه عنه ، كان هو الإنسان الكامل ، وهذه العلوم التي يوردها في كتبه قاطبة ، مستفادة له ، أخذها من روحه ،
حسبما ذكر ذلك على الإطلاق في الباب الأول من الكتاب ؛ فقال يصف حالتها في الكمال :النور الباهر وجوهر الجواهر .
يعني :الروح الكامل ، هو النور الباهر . يريد بذلك ، صفات الألوهية ، لأن الذات ظلمة ، والصفات نور .
واعلم أنه من لا يكون في نفسه ذاتا ساذجا يقبل معناه الانطباع بكل صورةمن صور الوجود ، سواء كانت تجليات إلهية أم عينيات كونية أم حكميات علمية ؛ لا يمكنه تحقيق الاتصاف بالصفات الإلهية ، ولا يستطيع أن يبرز بالفعل ما هو فيه بالقوة ، ولا ينطلق بالشأن الكلّي ، لكونه مقيّدا بالحصر الجزئي .
وعن ذلك الانطباع بصورة كل صورة ، معنىّ عبّر عنه بأنه « جوهر الجواهر » ثم شرحه ، وأوضح ما أبهمه وفتحه ؛
فقال :يقبل الإضافات الكونية ، والاستتارات الغيبية ، والأوضاع الحكمية ، والمكانات الحكمية ، رفيع المكانة ، كثير الاستكانة ، علم في رأسه نار ، عبرة لأولي الأبصار .يعني :أن روح الإنسان الكامل ، يقبل جميع أحكام الظهور والبطون . .
فكنّى عن أحكام الظهور ، بالإضافات الكونية . وعن أحكام البطون ، بالاستتارات الغيبية - والاستتارات بالتاء المثناة من فوق والغيبية بالغين المعجمة - وهو العالم المقابل لعالم الشهادة ؛
يعني :إنه مع تمكينه بعالم الغيب ، شهاديّ ، ومع تحقّقه بعالم الشهادة ، غيبيّ .
فهو في الآن الواحد والساعة الواحدة :ظاهر بوصف الحقّ والخلق ، قابل لحكميهم .
وكنّى عن ترتيب وضع الحكمة في الأكوان ، بقوله " والأوضاع الحكمية " بتحريك الكاف .
وكنّى عن المكانة الإلهية التي قبلتها هذه الروح الكاملة ، بقوله « والمكانات الحكمية » بإسكان الكاف .
فالإنسان " رفيع المكانة " لأنه موصوف الصفات الإلهية . « كثير الاستكانة » إلى ما هو له من ذلك الجناب .« علمفي رأسه نار »أي : هي علم على الذات الإلهية .
« فيرأسه النار »الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، المعبّر عنها بالجلال والعظمة والقهر والكبرياء ، فهي الرياسة الإلهية التي هي آخر شيء يخرج من رؤوس الصّدّيقين ، أي تظهر عليهم في نهايتهم ؛ لأن الاتصاف بالعظمة والكبرياء والقهر ، لا يكون إلا في الكمال .
ومن ثمّ ، هلك الرجل الذي نظر إلى أبي يزيد - وقد كان يرى ربّه كل يوم فلا يضرّه شيء ولم يصبه سوء - لأنه كان يرى ربّه على قدر قابلية نفسه ، فاستطاع الثبوت عنده لذلك ، فظهر عليه أبو يزيد بالعظمة والهيبة - ومن وراء قابليته - فهلك لأن قابليته لا تبلغ قابلية أبي يزيد ، فما استطاع الثبوت عنده .
ولذلك قال فيه إنه لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [ النّور : 44 ] وقد شرحنا في هذه النبذة ، جميع م حواه هذا الباب من كتاب الفتوحات ، فافهم .
*