الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


كتاب أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه إلى أهل اليمن يحرّضهم على غزو الروم بالشام وما قالوا في ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم.

من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من قرئ عليه كتابي من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن، سلام عليكم. أما بعد:

فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، فإن الله كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا. قال الله تعالى: جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اَلله . فالجهاد فريضة مفروضة، وثوابه عند الله عظيم، وقد استنفرنا من قبلنا من المسلمين إلى جهاد الروم بالشام، وقد سارعوا إلى ذلك، وعسكروا وخرجوا، وأحسنت في ذلك نيّتهم، وعظمت في الخير حسنتهم، فسارعوا عباد الله إلى فريضة ربكم، وإلى إحدى الحسنيين، إما الشهادة و إما الفتح والغنيمة، فإن الله لم يرض من عباده بالقول دون العمل، ولا يترك أهل عدوانه حتى يدينوا بالحق ويقرّوا بحكم الكتاب، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكى أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين و الصابرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعث بهذا الكتاب مع أنس. قال الرملي: فحدثنا الحسين بن زياد، عن أبي

إسماعيل أحمد بن عبد الله، عن محمد بن يوسف، عن ثابت البناني، عن أنس قال:

أتيت أهل اليمن جناحا جناحا، وقبيلة قبيلة، أقرأ عليهم كتاب أبي بكر رضي الله عنه، فإذ فرغت من قراءته قلت: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله.

بسم الله الرحمن الرحيم.

أما بعد، فإني رسول المسلمين إليكم، ألا وإني قد تركتهم معسكرين، لم يمنعهم من الشخوص إلى عدوّهم إلا انتظاركم، فعجّلوا إلى إخوانكم، رحمة الله عليكم أيها المسلمون. قال: و كان كل من أقرأ عليه ذلك الكتاب ويسمع في هذا القول يحسن الرد عليّ ويقول: نحن سائرون، وكنا قد فعلنا، حتى انتهيت إلى ذي الكلاع، فلما قرأت عليه الكتاب وقلت هذا المقال، دعا بسلاحه وفرسه، ونهض في قومه من ساعته، ولم يؤخر ذلك، وأمر بالعسكر، فما برحنا حتى عسكر وعسكر معه جموع كثيرة من أهل اليمن، وسارعوا، فلم اجتمعوا إليه قام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و سلم، ثم قال:

أيه الناس، إن من رحمة الله إياكم ونعمته عليكم أن بعث فيكم رسولا، وأنزل عليكم كتابا، فأحسن عنه البلاغ، فعلّمكم ما يرشدكم، ونهاكم عمّا يفسدكم حتى لا يفسدكم، حتى علّمكم ما لم تكونوا تعلمون، ورغّبكم في الخير في ما لم تكونوا ترغبون، ثم قد دعاكم إخوانكم الصالحون إلى جهاد المشركين واكتساب الأجر العظيم، فلينفر من أراد معي النفر الساعة. فنفر بعدد من أهل اليمن كثير، وقدموا على أبي بكر. قال: فرجعن نحن فسبقناه بأيام، فوجدنا أبا بكر رضي الله عنه بالمدينة، ووجدنا ذلك العسكر على حاله، ووجدنا أبا عبيدة يصلي بأهل ذلك العسكر. فقدمت حمير على أبي بكر ومعه نساؤها وأولادها، ففرح أبو بكر بمقدمهم، فلما رآهم أبو بكر قال:

عباد الله، ألم نكن نتحدث فنقول: إذا أقبلت حمير تحمل أولادها ومعها نساؤها نصر الله المسلمين وخذل المشركين، فأبشروا أيها المسلمون، فقد جاءكم النصر من الله.

قال: و جاء قيس بن هبيرة بن مكسوح المرادي، وكان من فرسان العرب في الجاهلية، ومن أشرافهم وأشدّائهم، ومعه جمع كثير من قومه، حتى أتى أبا بكر، فسلّم عليه، ثم جلس إليه، فقال لأبي بكر: ما تنتظر بيعة هذه الجنود؟ فقال أبو بكر: ما كنا ننتظر إل قدومكم. قال: فقد قدمنا، فابعث الناس الأول فالأول، فإن هذه البلدة ليست ببلدة خفّ و لا كراع. قال: فخرج أبو بكر يمشي، فدعا يزيد بن أبي سفيان فعقد له، ودعا زمعة بن

الأسود بن عامر من بني عامر بن لؤي فعقد له، وأوصاهم وبعثهم، كم ذكرنا في كتابنا هذا.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!