الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


رؤي عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيما جرى على المشركين في يوم بدر

روينا من حديث الواحدي قال: نبأ أحمد بن الحسين الحيري، ثنا أبو العباس أحمد بن يعقوب، نب أحمد بن عبد الجبار العطاردي، نبأ يونس بن بكير، نبأ محمد بن إسحاق، نبأ حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:

وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم، قبل مقدم ضمضم على قريش بمكة بثلاث ليال، رؤيا أعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت: يا أخي، لقد رأيت الليلة رؤيا، ليدخلنّ على قومك شرّ وبلاء. قال: وما هي؟ قالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلا أقبل على بعير له، فوقف بالأبطح، فقال: انفروا يا آل عذراء إلى مصارعكم في ثلاث. فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم أرى بعيرا دخل به المسجد، واجتمع إليه أناس. ثم مثل به بعيره، فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: يا آل عذراء، انفروا إلى مصارعكم في ثلاث. ثم إن بعيره مثل به على رأس أبي قبيس فقال: انفروا يا آل عذراء إلى مصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسله من رأس الجبل، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفله ارفضّت، فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها. قال العباس: والله إن هذه لرؤيا فاكتميها. قالت: وأنت فاكتمها.

فخرج العباس من عندها ولقي الوليد بن عتبة، وكان له صديقا، فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لابنه فتحدث بها، فغشى الحديث. قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، فدخلت المسجد فإذا أبو جهل في نفر من قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة. فقال أبو جهل: يا أبا الفضل، متى حدثت هذه النهية فيكم؟ فقلت: وما ذاك؟ قال: رؤي رأتها عاتكة بنت عبد المطلب. أما رضيتم أن تنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم متربص بكم هذه الثلاث التي ذكرتها عاتكة؟ فإن تكن عاتكة تقول حقا فسيكون، وإلا كتبنا عنكم كتابا أكذب بيت في العرب. قال العباس: فما كان مني إليه من كبير شيء إلا أني

جحدت ذلك وأنكرته. قلت: ما رأيت شيئا ولا سمعت بها. فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني، فقلن: صرتم لمثل هذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء، وأنت تسمع، فلم يكن عندك في ذلك غيرة. فقلت: و الله لقد صدقني، وما كان عندي في ذلك من غيرة، إلا أني أنكرت ما قال، فلا تعرضت له، فإن عاد لأكفينكه.

فغدوت في اليوم الثالث أتعرضه ليقول شيئا فأشاتمه، فو الله إني لمقبل نحوه، وكان رجل حديد النظر حديد اللسان، إذ ولّي نحو الباب يشتد. فقلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكل هذا فرقا من أن أشاتمه؟ وإذا هو سمع ما لم أسمع. سمع صوت عمرو بن ضمضم الغفاري وهو يصرخ بباطن الوادي، واقف على بعيره بالأبطح قد رحله وشق قميصه وجدع بعيره، يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان، وتجارتكم قد عرض لها محمد وأصحابه، الغوث الغوث. فشغله ذلك عني، وشغلني عنه ما جاء من الأمر.

وتجهز الناس سراعا، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن يكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا. و الله ليعلمن غير ذلك. فكانوا بين رجلين، إما خارجا وإما باعثا مكانه رجلا.

وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد. فأصابت قريش ما أصابها يوم بدر من قتل أشرافهم و أسر جبابرتهم.

قال ابن نجيح: كان أمية بن خلف قد أجمع العقود، وكان شيخا كبيرا ثقيلا، فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهري قومه بمجمرة يحملها فيها نار، حتى وضعها بين يديه فقال: يا أبا علي استجمر، فإنما أنت من النساء. فقال: قبّحك الله، وقبّح م جئت به. ثم تجهز وخرج مع الناس.

وكان سبب تثبّط أمية عن الخروج ما رويناه أيضا من حديث الواحدي، قال: نبأ أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم، انا عبد الله بن بطاء، انا أبو القاسم ابن بنت منيع، نب يعقوب بن إبراهيم الدورقي، نبأ خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على أمية بن خلف، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ. فقال أميد لسعد: انتظر إذا انتصف النهار وغفل الناس، انطلقت. فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال: من هذا الذي يطوف معك بالكعبة؟ فقال: سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويت محمدا وأصحابه؟ قال: نعم. فتلاحيا بينهما. فقال أمية لسعد: لا

ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل هذا الوادي. فقال له سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك إلى الشام. فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك، وجعل يمسكه. فغضب سعد، فقال: دعنا عنك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك. قال: إياي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد. فرجع إلى أم صفوان، فقال:

م تعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي.

قالت: و الله ما يكذب محمد. فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ، فقالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ فقال له أبو جهل: إنك من أشرف أهل الوادي، فسر معنا يوم أو يومين، فسار معهم، فقتله.

وقد ذكرنا قصة غزوة بدر في هذا الكتاب، ومقتل أمية بن خلف، وغيره فيها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!