الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


كلام لبعض إخواننا فيمن أفناه الشوق

أملى علينا صاحبنا أحمد بن مسعود بن شدّاد المقري، بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة، فيمن أفناه الشوق وأودى به التوق، وأماته التذكّر وأفناه التفكّر، حتى صارت جزئياته وكلياته لله، وحركاته وسكناته بالله، ولحظاته وخطراته من الله، و ضمائره وسرائره مع الله، فني به عنه، لما منحه به منه، وذلك حين زهد في شهواته و لذّاته، وتجوهر في

صفاته وذاته، فني بمولاه عن تربه ونفسه، بما أولاه عن تربه ونفسه، بما أولاه من قربه وأنسه، عرض عرضه على الخلق، وجاهر بجوهره لدى الحق، حتى صار بين الأتراب من عالم التراب، ومن أولي الألباب عند رب الأرباب، بقي صورة في الفناء، ومعنى في عالم الفناء، فعين السعادة لم تزل تلاحظه من قبل الأزل، فهو في عالم الصور معنا، وفي عالم الأرواح يشاهد المعنى، فلما أفناه موجده عن وجوده، بم حباه من تطوله وجوده، تحيط جوهر روحانيته، في عرض إنسانيته، وطمعت في الخلاص الأرواح، من حصر أقفاص الأشباح، هتفت بها هواتف الأقدار بالعشيّ والإبكار، هذ يقرأ عليها: يا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ ، وهذا يتلو عليها: ولَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى حِينٍ فحينئذ هدرت بلابل بلبالها، وغرّدت قماري أقمار أحوالها، وأنشدت لسان حالها:

يا حسرتي كيف ألقاهم ولي جسد ولي فؤاد ولي سمع ولي بصر

مادا أقول إذا قالوا فديتهم أين التحول وأين الدمع والسهر

إذا اعتذرت أجابتني محاسنهم ما لامرئ لم يمت في حبنا عذر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!