الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


غزوة عبد الله بن جحش الأسدي

قال الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ .

روينا من حديث الواحدي قال: أنبأ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنبأ محمد بن عبد الله بن زكريا، أنبأ محمد بن عبد الرحمن، أنبأ أبو بكر بن أبي خيثمة، أنب إبراهيم بن المنذر، أنبأ محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: هذ كتاب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنين.

ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث.

ثم قاتل يوم الخندق في شعبان سنة خمس.

ثم قاتل يوم خيبر في سنة ستّ.

ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان.

وقاتل يوم حنين.

وحصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان.

قال الواحدي: أول قتال كان بين المسلمين والمشركين كان في غزوة عبد الله بن جحش التي نزل فيها قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية.

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش وهو ابن عمته في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمة المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص، وعكاشة بن محصن، وعيينة بن غزوان، و أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسهيل ابن بيضاء، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله، وخالد بن بكر.

وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتابا، وقال: «سر على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلت، فافتح الكتاب، واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك، و لا تستكرهنّ أحدا من أصحابك على السير معك» .

فسار عبد الله يومين، ثم نزل، وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم:

أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل ببطن نخلة، فترصد بها عير قريش، لعلك أن تأتينا منه بخير.

فلما نظر عبد الله في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك، وقال: إنه

قد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فإني ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم مضى و معه أصحابه لم يتخلف عنه أحد منهم، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقول نجران أضلّ سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه. واستأذنا أن يتخلف في طلب بعيرهما، فأذن لهما، فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله يتبعه أصحابه حتى نزلوا ببطن نخلة، يمين مكة والطائف.

فبينم هم كذلك إذ مرّت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، ونوفل بن عبد الله المخزومي.

فلم رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم. فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم فليعرض لهم، فإذا رأوه محلوقا آمنوا. و قالوا:

قوم عمّار لا بأس عليكم، فحلقوا رأس عكاشة، ثم أشرف عليهم، فقالوا: قوم عمّار لا بأس عليكم، فأمّنوهم.

وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة. وكانوا يريدون أنه من جمادى الآخرة.

وكانو يرون أنه من جمادى وهو رجب. فتشاور القوم فيهم وقالوا: لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم، وليمتنعنّ منكم.

فأجمعو أمرهم في مواقفة القوم. فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين. واستأثر الحكم وعثمان، فكانا أول أسيرين في الإسلام.

وأفلت نوفل فأعجزهم، واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد استحلّ محمد الشهر الحرام، فشهر يأمن فيه الخائف، وينذعر فيه الناس لمعاشهم، فسفك فيه الدماء وأحلّ فيه الحرام. وعيّر بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين، وقالوا: يا معشر الصباة، استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه.

وتفاءلت اليهود بذلك، وقالوا: واقد وقدت الحرب، وعمرو عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لابن جحش وأصحابه: «ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» . ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، وعظم ذلك على أصحاب السرّية، وظنوا أن قد هلكوا وسقط في أيديهم. فقالوا: يا رسول الله، إنا قتلنا ابن الحضرمي، ثم أمسينا فرأينا الهلال، فإذا هو هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أم

في جمادى، وأكثر الناس في ذلك. فأنزل الله هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية.

فأخذ صلى الله عليه وسلم العير، فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكان أول غنيمة في الإسلام.

وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل نقفهم حتى يقدم سعد بن أبي وقاص وعتبة، فإن لم يقدما قتلناهما» . فلما قدما فداهما.

فأم الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معاوية شهيدا.

وأم عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا.

وأم نوفل فضرب فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فتحطم فيه فمات. وطلب المشركون جثته بالثمن.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوه، فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدم» . ه‍ و الحمد لله وحده.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!