الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


من آثر آخرته على دنياه وغلب عقله على هواه

حدثن عبد الرحمن، نبأ عمر بن ظفر، نبأ جعفر بن أحمد، نبأ عبد العزيز بن علي، نبأ أبو الحسن الصوفي، قال: سمعت محمد بن داود قال: حدثني أبو الحسن اللؤلؤي قال:

كنت في البحر، فانكسر المركب وغرق كل ما فيه. وكان في وطائي لؤلؤ قيمته أربعة آلاف دينار. وقربت أيام الحج وخف الفوات. فلما سلّم الله روحي، ونجّاني من الغرق مشيت، فقال لي جماعة كانوا في المركب: لو توقفت عسى أن يجيء من يخرج شيئا فيخرج لك من رحلك شيئا. فقلت: قد علم الله عز وجل ما مرّ مني، وفي وطائي شيء قيمته أربعة آلاف دينار، وما كنت الذي أؤثره على وقفتي بعرفة. فقالوا: وما الذي ورثك هذا؟ فقلت: أنا رجل مولع بالحج، أطلب الربح والثواب، فحججت في بعض السنين، وعطشت عطش شديدا، فأجلست عديلي في وسط محملي، ونزلت أطلب الماء، والناس قد عطشوا، فلم أزل أسأل رجلا رجلا ومحملا محملا: معكم ماء؟ وإذا الناس شرع واحد، حتى صرت في ساقة القابلة بميل أو ميلين، فمررت بمصنع وصهريج، وإذا رجل فقير جالس في أرض المصنع و الماء ينبع من موضع العصا، وهو يشرب، فنزلت إليه، وشربت حتى رويت، وجئت إلى القافلة والناس قد نزلوا، فأخرجت قربة ومضيت فملأتها، فرآني الناس، فتبادرو بالقرب، فرووا عن آخرهم، فلما روي الناس، وسارت القافلة، جئت لأنظر، وإذا البركة ملئت تلتطم أمواجها، فموسم يحضره مثل هؤلاء يقولون:

اللهم اغفر لمن حضر هذا الموقف ولجماعة المسلمين، أؤثر عليه الدنيا، لا والله، وترك اللؤلؤ وجميع قماشه. قال الشيخ: فبلغني أن قيمة ما كان غرق له خمسين ألف دينار.

ومم تضمنه الأشواق قول بعض العشاق، يصرفه الصالحون في التخلف عن السياق، المسارعين إلى مرضاة الله ومغفرته:

شيّعتهم فاسترابوني فقلت لهم إني بعثت مع الأجمال أحدوها

قالوا فما نفس يعلو كذا صعدا وما لعينك لا ترقأ مآقيه

قلت التنفس من أدمان سيركم والعين تذرف دمعا من قذى فيه

روحي تسير إذا سارت ركائبكم فإن عزمتم على قتلي فحثّوه

حدثنا عبد الرحمن بن علي الجوزي كتابة قال: وصلني كتاب من بعض إخواني من الحاج يتضمن الاستيحاش لي في طريق مكة، فهيّج شوقي إلى تلك الأماكن. قال: فكتبت إليه أبياتا منها:

تراكم فالنقا فالمنحنا يوم سلع تذكرونا ذكرنا

انقطعنا ووصلتم فاعلموا واشكروا المنعم يا أهل منى

قد ربحتم وخسرنا فصلوا بفضول الربح من قد غبنا

يا سقى الله الحمى أنتم به ورعى تلك الرّبى والدمن

سار قلبي خلف أجمالكم غير أن الوهن عاق البدنا

ما قطعتم واديا إلا وقد جئته أسعى بأقدام المنى

إن سقيتم ديمة هاطلة فدموعي قد جرت لي أعينا

وأنادي كلما لبّيتم في فؤادي أسفا وا حزن

بدني نضو لأبدانكم والذي أقلقني أني هنا

آه وا شوقي إلى ذاك الحمى شوق محزون حليف شجن

سلّموا مني على أربابه أخبروهم أنني حلف الضنا

أنا مذ غبتم على تذكاركم أتراكم عندكم ما عندن

عرفكم تعرفه ريح الصبا كلما مرّت به مرّ بنا

درّ درّ الوصل ما أعذبه ليته يرضى بروحي ثمن

زمنا مذ زال أولى زمنا فأعاد الله ذاك الزمنا

روينا من حديث ابن مروان، نبأ محمد بن عمرو، نبأ محبوب بن المكرم قال:

قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشدّ على العالمين من طول الاجتهاد.

روينا عن محمد بن يونس، عن الأصمعي، عن أبي الأشهب، عن الحسن أنه قيل له: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة. فقيل: ما الصبر والسماحة؟ قال: الصبر عن محارم الله، والسماحة بفرائض الله.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!