الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


سؤال معاوية لضرار أن يصف عليّا رضي الله عنهم

روينا من حديث ابن باكويه قال: نبأ عبد الله بن فهد بن إبراهيم الساجي قال: نبأ محمد بن زكريا بن دينار، نبأ العباس بن بكار، نبأ عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن الكلبي، عن أبي صالح قال: قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة:

صف لي عليّا، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك. قال: أما إذ لا بد، إنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما خشب.

كان و الله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ويتجنى. والله مع تقريبه لنا، وقربه هنا، لا نكلمه هيبة، ولا نبتديه لعظمته عندنا. إن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ول ييأس الضعيف في عدله. فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه، و غارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين. فكأني أسمعه يقول:

يا دني يا دنيا، إليّ تعرّضت، أم إليّ تشوفت؟ هيهات هيهات، غرّي غيري، قد

أبنتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كثير. آه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.

قال: فذرفت دموع معاوية، فما ملكها وهو ينشّفها بكمّه. وقد اختنق القوم بالبكاء.

ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال:

حزن من ذبح ولدها في حجرها، فلا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها.

روي أن عليّا رضي الله عنه رأى رجلا من قريش يمشي ويخطر بيده تكبّرا، فقال:

يا مؤثر الدنيا على دينه والتائه الحيران في قصده

أصبحت ترجو الخلد فيها وقد أبرز ناب الموت عن حدّه

هيهات إن الموت ذو أسهم من يرمه يوما بها يرده

لا يشرح الواعظ صدر امرئ لم يعزم الله على رشده

وروينا من حديث ابن حنبل قال: نبأ وهب بن إسماعيل قال: نبأ محمد بن قيس، عن علي بن أبي ربيعة، عن علي بن أبي طالب، قال: جاءه ابن التياح فقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر، فقام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال فقال:

هذا جناء و خياره فيه وكل جان يده إلى فيه

قال: ثم نادى في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال للمسلمين وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غرّي غيري. ها وها، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم. ثم أمر بنضحه و صلى فيه ركعتين.

حدثن يونس بن يحيى بمكة، عن محمد بن ناصر، عن جعفر بن أحمد، عن أبي علي التميمي، عن أبي بكر بن جعفر، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه أحمد بن حنبل، بالإسناد.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!