الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر لخنبعة مع ذي نواس

ولي حمير باليمن بعد هلاك عمرو بن أسعد تبّع لخنبعة ذي شناتر، فقتل خيارهم، وعبث ببنين أهل مملكته، وكان يعمل عمل قوم لوط، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشرفة له قد صنعها لذلك.

فإذا فرغ من فسقه بالغلام يطلع من مشرفته تلك إلى حرسه، وقد أخذ سواكا فجعله في فيه يعلمهم أنه قد فرغ منه، حتى بعث إلى ذي نواس وهو زرعة بن أسعد تبّع الذي كسا الكعبة، و كان وسيما ذا هيبة، وعقل من أجمل الناس.

فلم أتاه رسول ذي شناتر عرف زرعة ما يريد به، فأخذ سكينا لطيفا فخبأه بين قدمه ونعله، ثم أتاه.

فلما خل معه وثب إليه، فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله، ثم جزّ رأسه، فوضعه في الكوّة التي كان يشرف منها، ووضع مسواكه في فيه، ثم خرج على الناس، فقالوا له: ذو نواس أرطب أم يباس؟ فقال: سل تحماس، استرطبان ذو نواس، استرطبن لأباس.

فنظرو إلى الكوة فإذا رأس خنبعة مقطوع، فخرجوا فى أثر ذي نواس، أرطب، أدركوه، وقالو له: ما ينبغي أن يملكنا غيرك، إذ أرحتنا من هذا الخبيث. فملّكوه،

و اجتمعت عليه حمير، وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير، ويسمى يوسف. وعاش في الملك زمانا.

الشناتر: الأصابع بلغة حمير. وتحماس: الرأس بلغتهم. واسترطبان: معنى استرطب. والكلام حميريّ يفهم بالفرض والقرينة، لأنه يخالف ألف كلام العرب.

قال محمد بن سنان الخفاجي:

ودع النسيم يعيد من أخباره فله حواش للحديث رفاق

ما ثمّ من علق العذيب بغائب إلا وقد شهدت به الآماق

وقال:

ومهوّن للوجد يحسب أنّه يودي العذيب مدامع وخدود

سل بانة الوادي فليس يفوتها خبر يطول به الجوى ويزيد

وأنشد معي ضوء الصباح وقل له كم تستطيل بك الليالي السود

وإذا هبطت الواديين وفيهما دمن حبس على البكا وعهود

فأخدع فؤادي في الخليط لعله يهفو على آثارهم ويعود

صبابة بالجزع بعد سويقه شغل لعمرك يا أميم جديد

وقال عبد الرحمن بن علي حدثنا كتابة:

في شغل عن الرقاد شاغل من هاجه البرق بسفح عاجل

يا صاحبي هذي رياح ربعهم قد أخبرت شمائل الشمائل

نسيمهم سحيريّ الريح ما تشبهه روائح الأصائل

ما للصّبا مولعة بذي الصبا أو صبا فوق الغرام القاتل

ما للهوى لعذري في ديارنا أين العذيب من قصور بابل

لا تطلبوا ثأرا لبنايا قومنا دماؤنا في أذرع الرواحل

لله درّ العيش في ظلالهم ولي وكم آثار في المفاصل

واطربا إذا رأيت أرضهم هذا وفيها رميت مقاتلي

باطرة الشيخ سقيت أدمعا ولا ابتليت بالهوى تماثلي

ميلك عن زهو وميلي عن أسى ما طرب المخمور مثل الثاكل

وقال مهيار الديلمي:

أهفو لعلويّ الرياح إذا جرت وأظنّ رامة كل دار أقفرت

ويشوقني روض الحمى متقضبا يصف الترائب والبروق إذا سرت

ي دين قلبي من ليالي حاجر مكرت به يوما عليه وأبكرت


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!