الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس وما كان منه في ذلك

روينا من حديث أحمد بن عبد الله قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة، وأمر أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فرفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرّقه. قال ابن شهاب:

فحسبت أن المسيّب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزّقوا كل ممزّق.

قال محمد بن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ بن سعيد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس، وكتب معه:

«بسم الله الرحمن الرحيم:

من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر مَنْ كانَ حَيًّا ويَحِقَّ اَلْقَوْلُ عَلَى اَلْكافِرِينَ ، فأسلم تسلم، فإن أبت فإن إثم المجوس عليك» .

فلما قر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شققه، وقال: يكتب إليّ بهذا الكتاب وهو عبدي. قال محمد بن إسحاق: فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم مزّق ملكه» ، حين بلغه شقّ كتابه.

ثم كتب كسرى إلى بادان وهو على اليمن: ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين، فليأتياني به. فبعث بادان قهرمانه وهو أنوبوبة، وكان كاتبا حاسبا بكتاب ملك فارس، وبعث معه برجل من الفرس يقال له خر خرشونة، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، وقال لأنوبوبة: ويلك، انظره ما الرجل، وكلّمه وائتني بخبره. فخرجا حتى قدما الطائف، فسألاهم عنه، فقالوا: هو بالمدينة، فاستبشروا بهما وفرحوا. فقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له ملك الملوك. كفيتم الرجل.

فخرج حتى قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلّمه أنوبوبة وقال: إن شاه شاه ملك الملوك كسرى بعث إلى الملك بادان يأمره بأن يبعث إليك من يأتي بك، و قد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك بكتاب يمنعك منه و يكفّ به عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت، وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك.

ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال: «ويلكما، من أمر كما بهذا؟» ، قالا: أمرنا بهذا ربنا، يعنيان كسرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقصّ شاربي» . ثم قال لهما: «ارجعا حتى تأتياني غدا» .

و أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر أن الله عز وجل سلّط على كسرى ابنه شيرويه، فقتله في شهر كذا وكذا، في ليلة كذا وكذا، لعدة ما مضى من الليل، سلّط عليه ابنه شيرويه، فقتله.

فقالا: هل تدري ما تقول فنكتب بهذا عنك، ونخبر الملك؟ قال: «نعم، أخبراه ذلك عني، وقول له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخفّ والحافر.

وقول له: إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملّكتك على قومك» . ثم أعطى خرخرشونة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك، فخرجا من عنده حتى قدما على بادان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى هذا الرجل نبيّا كم يقول. ولننظرنّ ما قال، فلئن كان ما قد قال حقا ما فيه كلام إنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا. فلم ينشب بادان أن قدم عليه كتاب شيرويه: أما بعد، قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحلّ من قتل أشرافهم وتجهيزهم و نعوتهم.

فإذ جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كتب إليك كسرى فلا تهجه حتى يأتيك أمري. فلما انتهى كتاب شيرويه إلى بادان قال: إن هذا الرجل لرسول.

فأسلم و أسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن. فكانت حمير تقول لخرخرشونة:

ذو المعجزة، للمنطقة التي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنطقة بلسان حمير المعجزة، فبنوه اليوم باليمن، ينسبون إليها خرخرشونة ذو المعجزة. وقد قال أنوبوبة لبادان: ما كلّمت رجلا قطّ أهيب عندي منه. فقال له بادان: -هل معه شرط؟ قال: لا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!