الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن حسن العهد ومكارم الأخلاق

ما روين من حديث إبراهيم الحربي، عن عثمان بن محمد الأنماطي، عن عمرو بن أبي قيس، قال: خرج عبد الله بن جعفر إلى حيطان المدينة، فبينما هو يسير إذ نظر إلى أسود على بعض الحيطان وهو يأكل، وكلب رابض بين يديه، فكلما أخذ لقمة رمى للكلب مثلها، فلم يزل كذلك حتى فرغ من أكله وعبد الله بن جعفر واقف على دابّته ينظر إليه، فلما فرغ دنا منه فقال له: يا غلام لمن أنت؟ فقال: لورثة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فقال: لقد رأيت منك عجبا. قال: وما الذي رأيت من العجب يا مولاي؟ قال: رأيتك تأكل، و كلما تأكل لقمة رميت للكلب مثلها. فقال له: يا مولاي، هو رفيقي منذ سنين، ولا بدّ أن أجعله كأسوتي في الطعام. فقال له: فدون هذا يكفيه. فقال له: يا مولاي، إني لأستحي من الله عز وجل أن آكل وعين تنظر إليّ.

ثم مضى عنه حتى أتى ورثة عثمان بن عفان، فنزل عندهم، فقال: جئت في حاجة.

فقالو له: وما حاجتك؟ فقال: تبيعوني الحائط الفلاني، فقالوا: قد وهبناك إياه. فقال:

لست آخذه إلا بثمن، فباعوه. فقال لهم: وتبيعوني الغلام الأسود؟ فقالوا له: إن الأسود ربّيناه وهو كأحدنا. فلم يزل بهم حتى باعوه، فانصرف عنهم. فلما أصبح غدا على الغلام وهو في الحائط، فخرج إليه فقال: أما شعرت أني قد اشتريتك واشتريت الحائط من مواليك؟ فقال له: بارك الله لك فيما اشتريت، ولقد غمّني مفارقتي لمواليّ، إنهم ربّوني.

فقال له: فأنت حرّ والحائط لك. فقال: إن كنت صادقا يا مولاي فأشهد أني قد أوقفته على ورثة عثمان بن عفان. قال: فتعجّب عبد الله بن جعفر منه، وقال: ما رأيت كاليوم. فقال له: بارك الله فيك، ودعا له ومضى. انتهى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!