الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن قصص عطاء بن أبي رباح مع هشام

م أخبرنا به غير واحد، عن أبي منصور بن محمد بن عبد الملك، عن أحمد بن علي بن ثابت، عن أبي الحسن، عن أبي أيوب الكاتب القمي، عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني، عن محمد بن أحمد الكاتب، عن عبد الله بن أبي سعيد الورّاق، عن عمر بن أبي شيبة، عن سعيد بن منصور الرقي، عن عثمان بن عطاء الخراساني، قال: انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار عليه قميص دنس وجبّة دنسة وقلنسوة لاطئة دنسة وركابات من خشب، فضحكت وقلت لأبي: ممن هذ الأعرابي؟ قال: اسكت، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء بن أبي رباح، فلما قرب نزل أبي عن بغلته ونزل هو عن حماره فتعانقا وتسالما، ثم عادا فركبا وانطلقا حتى وقفا بباب هشام. فلما رجع أبي سألته فقلت: حدثني ما كان منكما، قال: لما قيل لهشام: عطاء بن أبي رباح على الباب أذن له، فو الله ما دخلت إلا بسببه، فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا. هاهنا، فرفعه حتى مست ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا، فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام، ترد فيهم فضول صدقاتهم، قال: نعم، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم ي أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتهم، ويقاتلون عدوّكم، هل أجريتم له أرزاقا تدروها عليهم؟ فإنهم إن هلكوا بمن يتم، قال: نعم، اكتب يا غلام، تحمل أرزاقهم إليهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجيء صغارهم، ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون إلا ما يطيقون، فإنم يجيئون معونة لكم على عدوّكم. قال: نعم، اكتب يا غلام، أن لا يحملوا ما لا

يطيقون. هل من حاجة غيرها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك خلقت وحدك، و تموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحدا. قال: فأكبّ هشام، وقام عطاء، فلما كان عند الباب وإذا رجل قد تبعه بكيس ما ندري فيه دراهم أو دنانير، وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا، فقال: ما أصنع بهذا؟ قل ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِل عَلى رَبِّ اَلْعالَمِينَ . قال: ثم خرج عطاء، فو الله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقها.

وحدثن يونس وغيره، حدثنا عبد الوهاب بن المبارك، انا أبو الحسين عبد الجبار، انا أحمد بن علي الثوري، أنا عمر بن ثابت، حدثنا علي بن أبي قيس، حدثنا أبو بكر القرشي، حدثني أبو علي بن الحسين بن شفيق، عن ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك: إياك أن تدركك الصرعة عند العزّة، فلا تقال العثرة، ولا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت مما تركت، ول يحمدك من تقدم عليه بما به اشتغلت.

حدثن محمد بن إسماعيل، ثنا عبد الرحمن بن علي بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن محمد، أنبأن أحمد بن علي، أنبأنا محمد بن علي، انا محمد بن عبد الواحد، أنبأنا محمد بن العباس، ثنا محمد بن خلف، أخبرني محمد بن الفضل، أخبرني بعض أهل الأدب، عن حسن الوصيف، قال: قعد المهدي قعودا عاما للناس، فدخل رجل وفي يده نعل في منديل، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك، قال:

هاتها، فدفعها إليه، فقبّل باطنها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم.

فلم أخذها وانصرف قال لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذّبناه لقال للناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّها عليّ، ولكان من يصدقه أكثر من أن يرفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى إشكالها، والنصرة للضعيف على القوي، فاشترينا لسانه، ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!