الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


نصيحة الجرهمي لعمرو بن لحيّ

روينا من حديث أبي الوليد أن عمرو بن لحيّ لمّا غيّر دين إبراهيم عليه السلام، وكان أمره عند العرب مطاعا، وما شرع لهم من دين متبعا سيب السوائب، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي وبحر البحيرة، ونصب الأصنام حول الكعبة، وجاء بهبل من هيت من أرض الجزيرة، فنصبه في بطن الكعبة. وكان بمكة رجل من جرهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان شاعرا، فقال لعمرو بن لحيّ حين غيّر دين الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم بمكة إنها بلد حرام سائل بعاد ابن هم وكذاك محترم الأنام

وبني العمالقة الذين لهم بها كان السرام

فزعموا أن عمرو بن لحيّ أخرج ذلك الجرهمي، فنزل بأضم بأعراض المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم نحو الشام. فتشوق إلى مكة فأنشأ يقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة وأهلي بها بالمأزمين حلول

وهل أرين العيس تنفح في الثرى لها بمنى ولمأزمين ذميل

منازل كنا أهلها لم يحل بنا زمان بها فيما أراه يحوك

مضى أوّلونا راضيين بشأنهم جميعا وغالتني بمكة غوك

تفسير ما ذكرنا فيه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام: البحيرة فيما ذكره المفسرون الناقة التي كانت في الجاهلية، إذا أنتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها أي شقوها، ولم يذبحوها، ولم يركبوها، ولم تطرد من ماء، ولا تمنع من مرعى، ولم يركبها أحد. قال الكلبي: كانت إذا أنتجت خمسة أبطن، فكان الخامس ذكرا، أكله الرجال دون النساء. وإن كان أنثى بحروا أذنها وشقوها، وتركت لا يشرب لها لبن ولا تركب. وإن كان ميتة اشترك فيها الرجال والنساء. يقال: بحرت أذن اللبن إذا شققت منها واسعا. والناقة بحيرة مبحورة.

وأم السائبة فقيل: هو ما كان أحدهم يفعله إذا مرض، فينذر إن شفي أن يسيب

ناقته. فإذا فعل ذلك لم تمنع من ماء ولا من كلأ، وقد يسيبون غير الناقة، وكانوا إذ سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء. وقيل: إذا كانت الناقة، إذا تتابعت اثنا عشر أنثى ليس فيها ذكر سيّبت، فلم تركب ولا يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها، فما نتجت بعد ذلك من أولادها شقت أذنها وخليت مع أمها. فهي البحيرة بنت السائبة.

و الوصيلة من الغنم، إذا ولدت الشاة سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء، وإن كان أنثى لم يذبحوها. قال ابن عباس: ولم يشرب من لبنها غير الذكور خاصة. وإن كان ميتة أكلها الرجال والنساء، وتلا: وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ اَلْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، الآية. وقيل: إن الوصيلة الشاة، تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيها ذكر. فيقولون: وصلت، فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور دون الإناث، إلا أن يموت منها شيء فيشترك في أكله الذكور والإناث.

وأم الحام فهو البعير، ينتج من ظهره عشرة أبطن ذكورا وإناثا، فيقولون: قد حمى ظهره، و يخلى ولا يركب.

وقيل: هو الفحل، ينتج من ظهره عشرة إناث متتابعات ليس بينهن ذكر. فيقولون:

قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يجز ولا ينتفع به لغير الضراب. وقال ابن عباس: هو البعير الذي يركب أولاد أولاده.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!