الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر سواد بن قارب مع هاتفه

روينا من حديث ابن عبد الله، حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا بشر بن حجر الشامي، ثنا علي بن منصور الأنباري، عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد، إذ مرّ رجل في مؤخر المسجد، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أتعرف هذا المارّ؟ قال: لا، فمن هو؟ فقال: هذا سواد بن قارب، وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع، وهذا الذي أتاه رئيه بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: عليّ به، فدعا به قال: أنت سواد بن قارب؟ قال: نعم، قال: أنت الذي أتاك رؤيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب سواد بن قارب وقال: يا أمير المؤمنين، ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت، فقال عمر: ي سبحان الله، ما كنّا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، أخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: نعم يا أمير المؤمنين، بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتاني رؤييّ فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، وافهم واعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:

عجبت للجنّ وتحساسها وشدّها العيس بأحلاسها

تهوى إلى مكة تبغي الهدى ما خيروا الجن كأنجاسه

فارحل إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى راسها

قال: فلما كانت الليلة الثانية، أتاني فضربني برجله، وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل، إن كنت تعقل، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته؟ ثم أنشأ يقول:

عجبت للجنّ وتطلابها وشدّها العيس بأقتابها

تهوى إلى مكة تبغي الهدى ما صادق الجنّ ككذابه

فارحل إلى الصفوة من هاشم ليس قداما مثل أذنابها

قال: فلم أرفع رأسا بقوله. فلما أن كانت الليلة الثالثة، أتاني فضربني برجله، و قال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم وافهم واعقل، إن كنت تعقل، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته؟ ثم أنشأ يقول:

عجبت للجنّ وأخبارها وشدّها العيس بأكوارها

تهوى إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنو الجنّ ككفاره

فارحل إلى الصفوة من هاشم بين روابيها وأحجارها

قال: فوقع في نفسي حب الإسلام، ورغبت فيه. فلما أصبحت شددت على راحلتي وانطلقت متوجها إلى مكة. فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فأتيت المدينة، فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل في المسجد، فعقلت ناقتي، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «يا أبا بكر، ادنه ادنه» ، فلم يزل لي حتى صرت بين يديه. فقال: «هات فأخبرني بإتيان رئيك» ، فقلت:

أتاني رؤييّ بعد هدء ورقدة ولم أك فيما قد تلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة أتانا رسول من لؤي بن غالب

فشمّرت عن ذيل الإزار ووسطت بي الدعلب الوجناء بين السباسب

فأشهد أن الله لا ربّ غيره وأنك مأمون على كل غائب

وإنك أدنى المرسلين وسيلة إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى وإن كان فيما جاء شيب الذوائب

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال: فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصتي وإسلامي، فوثب إليه عمر رضي الله عنه فالتزمه، وقال: قد كنت أحب أن أسمع هذا منك.

الدعلب و الدعلبة: الناقة السريعة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!