الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


دعاء مأثور لذنب مغفور

حدثن ببغداد سنة ثمان وستمائة صاحبنا الإمام سراج الدين عمر بن مكي بن علي بن محمد بن عبد الله الجوزي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: «من أراد أن يغفر الله له فليدع بهذا الدعاء وهو: اللهم إني أسألك الهدى والتقى و العفّة والغنى، فائتنا سؤلنا،

و ارزقنا أمنيتنا» . أو قال: «فائتني في الدنيا والآخرة حسنة برحمتك يا أرحم الراحمين» .

الشك من الراوي ولا يدري أيهما؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فينبغي أن يجمع بينهما» .

وحدثن ببغداد في التاريخ أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الرئيس لفظا قال: حدثنا أبو نصر يحيى بن هبة الله بن محمد البزار بواسط قراءة مني عليه، قال: سمعت أبا المكرم خميس بن علي الحافظ يقول: سمعت أبا محمد طلحة بن علي الرازي الصوفي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ببغداد في مسجد عتّاب، والمسجد غاص بأهله، و هو عليه الصلاة والسلام في المحضر، وعليه بردة كحلاء، وهو متقلد سيفا، وفي الجماعة أبو محمد التميمي وهو يقول له: يا رسول الله، ادع الله لنا، فبسط كفيه و قال، وأنا أقول معه: «اللهم إني أسألك حسن الاختيار في جميع الأقدار» .

ومم قلته وأنا منفرد بفلاة يتما:

وليّ الله ليس له أنيس سوى الرحمن فهو له جليس

يذكّره فيذكره فيبكي وحيد الدهر جوهره نفيس

ولنا في المعارف من باب التشبيب:

طلع البدر في دجى الشعر وسقى الورد نرجس الخفر

غادة تاهت الحسان بها وزها نورها على القمر

هي أسنى من المهاة سنا صورة لا تقاس بالصور

فلك النور دون أخمصها تاجها خارج عن الأكر

إن سرت في الضمير يجرحها ذلك الوهيم كيف بالبصر

لعبة ذكرنا يذوّبها لطغت من مسارح النظر

طلب النعت أن يبيّنها فتعالت فعاد ذا حصر

وإذا رام أن يكيّفها لم يزل ناكصا على الأثر

إن أراح المطيّ طالبها ما أراحوا مطيّة الفكر

روحنت كل من أشبّ بها نقله عن مراتب البشر

غيرة أن يشاب رائقها بالذي في الحياض من كدر

تمّ المجلس.

روينا من حديث ابن إسحاق عن الكلبيّ عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس، قال: كانت العرب على دينين: حلة وحمس. فالحمس قريش وكل من ولدت العرب:

كنانة، و خزاعة، وأوس، وبنو ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأزد شنوءة، وحوم، وزبيد،

و بنو ذكوان من سليم، وعمرو اللاّت، وثقيف، وغطفان، وعوف، وعدوان، وعلاق، و قضاعة.

وكانت قريش إذا أنكحوا غريبا امرأة منهم اشترطوا عليه أن كل من ولدت فهو أحمس على دينهم. و زوّج الأردم تميم بن غالب بن فهر بن مالك ابنة محمد بن تيم بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، على أن ولدها منه أحمس على سنّة قريش. وفيها يقول لبيد بن ربيعة الكلبيّ:

سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال

وتزوج منصور بن عكرمة بن حفصة بنت سلمى بنت ضبيعة بن علي بن يعصر بن قيس بن غيلان، فولدت له هوازن، فمرض مرضا شديدا، فنذرت سلمى لئن برئ لتحمسنه، فلما برئ أحمسته. فلم تكن نساؤهم ينسجن ولا يغزلن الشعر ولا يسلين السمن إذا أحرموا.

وكانت الحمس إذا أحرموا لا يأقطون الأقط، ولا يأكلون السمن، ولا يسلونه، ولا يمخضون اللبن، ولا يأكلون الزبد، ولا يلبسون الوبر، ولا يلبسون الشعر ولا الوبر، ول ينسجونه، وإنما يستظلون بالأدم، ولا يأكلون شيئا من نبات الحرم، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولا يحفزون فيها بدنة، ويطوفون بالبيت وعليهم ثيابهم. وكانو إذا أحرم الرجل منهم في الجاهلية وأول الإسلام، فإن كان من أهل المدر يعني من أهل البيوت والقرى، نقب نقبا في ظهر بيته، فمنه يدخل، ومنه يخرج، ولا يدخل من بابه.

وكانت الحمس تقول: لا تعظّموا شيئا من الحل، ولا تجاوروا الحرم في الحج، فلا يهاب الناس حرمكم، فقصّروا عن مناسك الحج والمواقف من عرفة، وهو من الحلّ، فلم يكونوا يقفون به، ولا يفيضون منه، وجعلوا موقفهم في الحرم، ومن نمرة، وكانوا يدفعون في غروب الشمس.

وكانت الحمس إذا أحرمت وأرادت دخول بيتها تسوّرت من ظهور البيوت وأدبارها.

و يحرّمون الدخول من أبوابها حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأحرم عام الحديبية، ودخل بيته، وكان معه رجل من الأنصار، فوقف الأنصاري بالباب فقال له: «أ لا تدخل؟» ، فقال الأنصاري؛ أنا أحمس يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «و أنا أحمس، ديني ودينك سواء» . فدخل الأنصاري مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه دخل من بابه، فأنزل الله تعالى: ولَيْسَ اَلْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ اَلْبِرَّ مَنِ اِتَّقى وأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها .

وكانت الحلة تطوف بالبيت، أول ما يطوف الرجل والمرأة في أول حجة يحجّها

عراة، فكانت المرأة تضع إحدى يديها على قبلها، والأخرى على دبرها، ثم تقول: اليوم يبدو بعضه، أو كله، وما بدا منه، فما أحلّه إلا أن يستعيروا من الحمس ثيابا يطوفون بها.

حتى إنهم كانوا يقفون عند باب المسجد فيقولون للحمس: من يعير معوزا، من يعير مصونا؟ فإن أعاره أحمسي ثوبه طاف به، ولا يرون أنهم يطوفون بالثياب التي قارفوا فيها الذنوب.

وحدثن محمد بن قاسم، حدثنا أحمد بن محمد، ثنا ابن علي، ثنا محمد بن أحمد، ثنا ابن الجارحي، ثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الله بن المغيرة، ثنا عقارة بن مسلم، ثن حمّاد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يكمل إيمان عبد حتى تكون فيه خمس خصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والصبر على بلاء الله. إنه من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» .

وحدثن عبد الواحد بن إسماعيل، حدثني أبي، ثنا عمر بن عبد المجيد، ثنا أحمد بن محمد، ثن أبو نصر بن علي، ثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا نصر بن أحمد، حدثنا أبو يعلى، حدثن أحمد بن كامل، ثنا أبو قلابة، نبأ الحسين بن حفص، نبأ سفيان، عن أحمد، عن سهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«إن العبد لا يكتب في المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه، ولا ينال درجة المؤمنين حتى يأمن جاره بوائقه، ولا يعد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذر مما به بأس، إنه من خاف البيان أدلج، ومن أدلج في المسير وصل، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم، لو قد طويت صحائف آجالكم. أيها الناس، إن نية المؤمن خير من عمله، و نية الفاسق شرّ من عمله» .


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!