الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


قصة الشعبي والحسن البصري مع عمرو بن هبيرة والي العراق

حدثن يونس بن يحيى في آخرين، قال: انا محمد بن ناصر، انا عبد القادر بن محمد، ثن إبراهيم بن عمر البرمكي، انا علي بن عبد العزيز، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثن أبو حميد الحمصي، ثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرّة، قال: لم قدم عمرو بن هبيرة العراق، أرسل إلى الحسن والشعبي، وأمر لهما ببيت، فكانا فيه شهرا أو نحوه. ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم، فقال: إن الأمير داخل عليكما.

فجاء عمرو متوكئا على عصا له، فسلّم، ثم جلس معظما لهما، فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك كتب إليّ كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلك، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا؟ فقال الحسن للشعبي: يا أب عمرو،

أجب الأمير. فتكلم الشعبي بكلام يريد به إبقاء وجه عنده. فقال ابن هبيرة: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: أيها الأمير، قد قال الشعبي ما قد سمعت به، قال: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ قال: أقول: يا عمرو بن هبيرة، أوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله، فظّ، غليظ، لا يعصي الله ما أمره، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك. يا عمرو بن هبيرة، لا تأمن أن ينظر الله إليك على قبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك، فيغلق به باب المغفرة دونك. يا عمرو بن هبيرة، لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة، كانوا عند هذه الدنيا، وهي مقبلة، أشد إدبارا من إقبالكم عليها، وهي مدبرة. ي عمرو بن هبيرة، إني أخوّفك مقاما خوّفكه الله عز وجل، فقال: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وخافَ وَعِيدِ . يا عمرو بن هبيرة، إن تكن مع الله في طاعته، كفاك يزيد بن عبد الملك، وإن تكن مع يزيد على معاصي الله، وكّلك الله إليه. فبكى عمرو بن هبيرة، وقام بعبرته. فلما كان من الغد، أرسل إليهما، فأدناهما وأجازهما، فأكثر جائزة الحسن، وأنقص جائزة الشعبي. فخرج الشعبي إلى المسجد، فقال: أيها الناس، من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه فليفعل، فو الذي نفسي بيده، ما علم الحسن شيئا منه فجهلته، ولكني أردت ابن هبيرة، فأقصاني الله منه.

وبلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولّي الخلافة، أخذ إقطاع أمير كبير كان أقطعه إياه سليمان بن عبد الملك، والوليد بن عبد الملك، فلما مات عمر بن عبد العزيز وولّي يزيد بن عبد الملك، جاء الأمير إليه، فقال له: إن أخاك سليمان أمير المؤمنين و الوليد أقطعاني شيئا قطعه عني أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فأريد منك أن تردّه عليّ. قال يزيد: لا أفعل. قال: ولم؟ قال: لأن الحق فيما فعل عمر بن عبد العزيز.

قال: و بم ذلك؟ قال: لأن أخواي أحسنا إليك وذكرتهما، وما دعوت لهما، وعمر بن عبد العزيز أساء إليك وذكرته فترضّيت عنه، فعلمت أن عمر آثر الله على هواه، وأم سليمان والوليد آثرا هواهما على حق الله. فو الله لا رأيته مني أبدا. وهذا من أحسن ما يحكى عن الثقات أولات الأمر ه‍. والحمد لله حق حمده.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!