الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


82. إبليس

في اللغة:

“ الباء واللام والسين أصل واحد، وما بعده لا يعول عليه، فالأصل اليأس، يقال أبلس إذا يئس. .. قالوا: ومن ذلك اشتق اسم إبليس، كأنه يئس من رحمة اللّه “ ( معجم مقاييس اللغة، مادة “ بلس “ ).

في القرآن:

إبليس كان من الملائكة 1، عصى امر ربه فكان أول عاص، وبالتالي من الكافرين، وهو عدو للانسان، لا يألو جهدا في اغوائه وفتنته بتزيين الكفر والمعصية له.

“ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّ إِبْلِيسَ أَبى “( 2 / 34 )” إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ “( 38، 74 ) .” يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَم أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ “( الأعراف / 27 ).

عند الشيخ ابن العربي:

في كل فلسفة تفسح فيها مكانا لإبليس، نجده يتحول إلى مبدأ للشر، ويتقاسم مع مبدأ الخير افعال المكلفين وأحوالهم. الا انه عند الشيخ ابن العربي لم يتحول إلى مبدأ للشر بل بقي في مرتبة الاغواء 2 للبشر، ويعود السبب في عدم تجاوزه هذه المرتبة، إلى فكرة الخير والشر نفسها عند الشيخ ابن العربي.

إذ انه كالمعتزلة قبله لا يحكم على الفعل ؛ كما أن الوجود عنده خير والشر هو العدم 3.

وبعدم تصدر إبليس للشر، حافظ الشيخ ابن العربي على نقاوة التوحيد في الفعل، فالفاعل الحقيقي هو اللّه، وان عباده ليس للشيطان عليهم سلطان 4، فهو ل يغوى في الواقع الا من اضلّ اللّه 5.

ويمكن تعريف إبليس عند الشيخ ابن العربي:

بالمعنى اللغوي: فكلمتا إبليس والشيطان يستعملهما الشيخ ابن العربي بالتناوب التام، فالشيطان هو المبعد من رحمة اللّه، وإبليس كذلك من أبلسه اللّه اي طرده من رحمته. وهو أول الأشقياء من الجن وليس أول الجن.

يقول:

“ فمن عصى من الجان كان شيطانا، اي مبعودا من رحمة اللّه.

وكان أول من سمى شيطانا من الجن الحارث، فأبلسه اللّه، اي طرده من رحمته، وطرد الرحمة عنه، ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها.

وأكثر الناس يزعمون أنه [ اي الحارث ] أول الجن، [ وهو ] بمنزلة آدم من الناس وليس كذلك [ الأمر ] عندنا، بل [ الحارث ] هو واحد من الجن. .. وإبليس أول الأشقياء من الجن. .. “ ( الفتوحات السفر الثاني فق فق 443 / 444 ).

“ كيف لهم ؟ وعلمهم انني *** ابن الذي خرّوا له ساجدين

واعترفوا بعد اعتراض على *** والدنا بكونهم جاهلين

وأبلس الشخص الذي قد أبى *** وكان للفضل من الجاحدين “

( فتوحات السفر الأول فق 351 ).

ان التكليف الإلهي للمخلوقات قسمان: أمر ونهي، وعندما أشرق القول في أفق التكليف بدأ “ بالأمر “.

فقال سبحانه وتعالى لإبليس: اسجد لآدم. وفي هذا خروج عن أصل الممكن الذي له العدم 6.

ثم ثنّى “ بالنهي “ فقال لآدم وحواء: لا تقربا هذه الشجرة.

وفي هذا موافقة لاصلهما، فكأنه قال لهما: لا تفارقا اصلكما.

“ فالامر “ أشق على النفس من “ النهي “.

وقد باء التكليف الإلهي من مطلعه بالعصيان في قسميه: فعصى إبليس كم عصى آدم.

ولهذا يضع الشيخ ابن العربي إبليس في مقابل آدم.

الأول: للامر وعصيان الامر ،

والثاني: للنهي وعصيان النهي، ولكن آدم بالاعتراف تجاوز الخطيئة.

بينما إبليس بالدعوى، ازداد طغيانه وحقت له جهنم رغم انه ليس من المشركين في الأصل وان كان من الأشقياء.

فإبليس في دعواه وطغيانه سنّ الشرك، وكانت له مرتبة الاغواء.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ اعلم. .. ان اللّه تعالى يقول لإبليس: “ اسجد لآدم “ فظهر الامر فيه.

وقال لآدم وحواء: “ لا تقربا هذه الشجرة ! “ فظهر النهي فيهما.

و “ التكليف “ مقسّم بين امر ونهي. .. وهذا أول امر ظهر في العالم الطبيعي وأول نهي. ..

ولما كان هذا أول امر وأول نهي، لذلك وقعت العقوبة عند المخالفة، ولم يمهل. .. كما أنه - تعالى - خصّ النهي بآدم. .. وهو: لا تفعل !

وفي حقيقة الممكن انه لا يفعل.

فكأنه قيل له: “ لا تفارق أصلك ! “ و “ الامر “ ليس كذلك، فإنه يتضمن امرا وجوديا: وهو ان يفعل ،

فكأنه قيل له: “ اخرج عن أصلك “ ! فالامر أشق على النفس من النهي إذ كلف الخروج عن أصله. ..

واهبط إبليس للاغواء هبوط خذلان، وعقوبة، واكتساب أوزار، فان معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء. فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه اللّه عليه. وكتبه اللّه شقيا. ودار الشقاء مخصوصة باهل الشرك.

فانزله اللّه إلى الأرض ليسنّ الشرك. .. فإذا أشركوا وتبرأ إبليس من المشرك ومن الشرك، لم ينفعه تبريه منه، فإنه هو الذي قال له “ اكفر “. ..

فحار عليه وزر كل مشرك في العالم، وان كان هو موحدا. .. فهو أول مشرك باللّه 7 وأول من سنّ الشرك، وهو أشقى العالمين. .. “ ( الفتوحات السفر الثالث ص ص 402 / 407 ).

يظهر بوضوح من خلال ما تقدم موقف الشيخ ابن العربي من إبليس، فهو ليس مبدأ للشر، بل خلقه وأوجده التكليف. وتميز عن بقية الملائكة والجن بالمعصية للامر الإلهي، وجازت مقارنته بآدم المخلوق مثله الذي عصى مثله 8.

وينتقل الشيخ ابن العربي من آدم وإبليس كشخصين إلى بيان التمثيل في قصتهما للشر كافة. فإبليس رمز المخلوق العاصي صاحب الدعوى المستمر في عصيانه فمعصية واحدة أدت إلى شركه وكفره وبالتالي إلى شقائه الأبدي.

اما آدم رمز المخلوق العاصي التائب المعترف بذنبه المغفور له فالمستخلف في الأرض.

وكما أن آدم رمز للجنس البشري أضحى إبليس رمزا لجنس الشيطان.

ان إبليس أو الشيطان هو الذي يوسوس للانسان، وجلي عن البيان كون الوسوسة تأتي الانسان من داخل نفسه أو من خارجها، اما الوسوسة الخارجية فهي المعبر عنها بإبليس أو الشيطان المنفصل عن الانسان كما مرّ في التعريفين الأول والثاني، واما الوسوسة من داخل النفس، فقد نص القرآن كما أشار الحديث إليها.

فمنبعها النفس المسولة، وهي الشيطان.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ اخبر اللّه تعالى. .. في كتابه العزيز، في حكاية عن إبليس، بان قال منكرا عليه :” ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ. .. “[ 38 / 75 ] والمراد بإبليس هنا هي النفس المسولة ودليلها قوله تعالى: قال :” بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ “ *9 ،

وهي الشيطان الذي سئل عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هل لكل أحد شيطان، قال: نعم، قيل: وأنت يا رسول اللّه.

قال: وانا لكن أعانني اللّه عليه فأسلم 10 “ ( كتاب شق الجيوب ص ص 21 - 22 ).

..........................................................................................

( 1 ) والآية” وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى “ *تدل على أن. .. إبليس كان من الملائكة وال لم يتناوله امرهم ولا يصح استثناؤه منهم ولا يرد على ذلك قوله سبحانه وتعالى” إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ “[ 18 / 50 ] لجواز أن يقال إنه كان من الجن فصلا ومن الملائكة نوعا، ولان ابن عباس رضي اللّه تعالى عنه روى أن من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس. .. “ ( أنوار التنزيل ج 1 ص ص 21 - 22 ).

( 2 ) راجع ما كتبه الخراز عن إبليس في كتابه: الطريق إلى اللّه ص ص 29 - 32 تحقيق عبد الحليم محمود - مكتبة دار العروبة - فهو يشمل ما كتب عن إبليس في التصوف قبل الشيخ ابن العربي.

( 3 ) راجع “ خير “ و “ شر “ عند الشيخ ابن العربي.

( 4 ) إشارة إلى الآية” إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ “[ 15 / 42 ].

( 5 ) إشارة إلى الآية” وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ “[ 13 / 33 ].

” مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ “[ 6 / 39 ].

( 6 ) انظر “ العدم المكاني “

( 7 ) يشرح الشيخ ابن العربي كيف ان إبليس هو أول مشرك باللّه رغم كونه موحدا في الأصل. والسبب يرجع إلى أن إبليس لكي يغوى البشر بالشرك، لا بد من أن يتصور في نفسه مثال ما يريد ان يبرزه، اي يتصور الشريك، وتصور الشريك شرك. كما أنه لا بد من أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس.

(راجع الفتوحات السفر الثالث فق فق 364 - 365 ).

( 8 ) راجع ما كتبه الشيخ ابن العربي عن التمييز بين خطيئة العارف وخطيئة الانسان العاصي.

فخطيئة العارف يترقى بها علما وحالا. .. ( الفتوحات السفر الثالث فق 366 )

( 9 ) الآية 12 / 18، 12 / 83.

( 10 ) راجع تخريج الحديث في فهرس الأحاديث رقم: ( 17 )


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!