الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


79. البقاء

في اللغة:

“ الباء والقاف والياء أصل واحد، وهو الدوام. قال الخليل: يقال بقي الشيء يبقى بقاء، وهو ضد الفناء. ..

قال ابن السكيت: بقيت فلانا ابقيه، إذا رعيته وانتظرته. .. الانتظار بعض الثبات والدوام “.

( معجم مقاييس اللغة، مادة “ بقي “ ).

في القرآن:

حافظ الأصل “ بقي “ في القرآن على معنى الدوام والاستمرار والخلود فقارب بذلك مفهوم الأبدية، ولكن ليس في مقابل الأزلية بل في مقابلة النفاد.

“ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى “[ 87 / 17 ] .” ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ “[ 16 / 96 ].

عند الشيخ ابن العربي:

تبرز صعوبة خاصة في بحث المصطلحات الصوفية التي توقف عندها كل من سلك طريقهم. فغصت بها كتبهم، أمثال الرسالة، واللمع، والتعرف ومنازل السائرين، وعوارف المعارف. ..

وذلك لان الشيخ ابن العربي استعملها بمفهومها القديم، ثم توقف عنده لينظر إليها من زاوية أخرى، زاوية تتلاءم وتكوينه الفكري، فاكتست بالتالي خلعة مميزة شخصية تخصه.

* * * *

لم يعرّف التصوف القديم الفناء 1 والبقاء تعريفا ماهويا، بل كانت تعريفاته منصبة على الإضافات مثلا: الفناء هو فناء عن كذا وكذا. البقاء هو بقاء بكذا وكذا. فتعريف الفناء، تعداد للفاني من الصفات. والبقاء، تعداد للباقي منها.

وهكذا كانت النظرة إلى الفناء والبقاء نظرة إضافة لا اطلاق، يضاف إلى ذلك انهما حالان متتاليان: بقاء بعد فناء ( 2 ).

ولم ينج الشيخ ابن العربي من هذه النظرة إلى البقاء، وان كان لم يتوقف عندها، بل لم يلبث ان تخطاها إلى تعريف ماهوي للبقاء، سنحدده في النقطة ( الثانية ).

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الفناء والبقاء، فالفنا [ الأصل: فالفنى ] ان تفنى الخصال المذمومة عن الرجل، والبقا ان تبقى وتثبت الخصال المحمودة في الرجل، فالسالكون يتفاوتون في الفناء والبقاء، فبعضهم فني عن شهوته، يعني ما يشتهيه من الدنيا، فإذا فنيت شهوته، بقيت فيه نيته واخلاصه في عبوديته، ومن فني عن أخلاقه الذميمة كالحسد والكبر والبغض وغير ذلك، بقي في الفتوة والصدق. .. “

( كتاب الارشاد مخطوط الأحمدية حلب - رقم 797 ورقة 148 ب ).

“ البقاء. .. رؤية العبد قيام اللّه على كل شيء من عين الفرق “ ( ف 2 / 133 )

“ كل بقاء يكون بعده فناء لا يعول عليه. كل فناء لا يعطي بقاء لا يعول عليه “ ( رسالة لا يعول عليه ص 8 ).

الفناء والبقاء حالان مرتبطان متلازمان يكونان للشخص في زمان واحد 3 ولكن من نسبتين مختلفتين: فالفناء نسبة الشخص إلى الكون، والبقاء نسبته إلى الحق - البقاء نسبة لا تزول وهي نعت الهي 4 في مقابل الفناء [ نسبة تزول وهي نعت كياني ].

يقول الشيخ ابن العربي:

“ البقاء عندنا اشرف. .. من نسبة الفناء، لان الفناء عن الأدنى في المنزلة ابدا عند الفاني. والبقاء بالأعلى في المنزلة ابدا عند الباقي. فان الفناء هو الذي افناك عن كذا فله القوة والسلطان فيك، والبقاء نسبتك إلى الحق واضافتك اليه. ..

والفناء نسبتك إلى الكون. .. ونسبتك إلى الحق أعلى. فالبقاء في النسبة الأولى لأنهما حالان مرتبطان فلا يبقى. .. الا فان، ولا يفنى الا باق.

والموصوف بالفناء لا يكون الا في حال البقاء، والموصوف بالبقاء لا يكون الا في حال الفناء.

ففي نسبة البقاء شهود حق، وفي نسبة الفناء شهود خلق:

فحال البقاء أعلى من حال الفناء وان تلازما وكانا للشخص في زمان واحد. ..

السبب الذي افناك عن كذا فهو الذي أنت باق معه. .. ان البقاء نسبة ل تزول ولا تحول، حكمه ثابت حقا وخلقا، وهو نعت الهي.

والفناء نسبة تزول وهو نعت كياني “ ( ف 2 / 515 ).

“ والبقاء حال العبد الثابت الذي لا يزول، فان من المحال عدم عينه الثابتة 5. ..

والبقاء نعت الوجود من حيث جوهره، والفناء نعت العرض من حيث ذاته “ ( ف 2 / 516 ).

يتضح مما تقدم ان الشيخ ابن العربي نظر إلى البقاء والفناء نظرة انطولوجية، على حين ان التصوف السابق في غالبيته تقريبا كان ذا نظرة خلقية لهما. والسبب في ذلك يعود إلى نظرتهما للتصوف بحد ذاته: فالتصوف السابق ترعوع وشب في صميم الأنظمة الخلقية، فالكمال هو الكمال الخلقي: “ التصوف خلق من زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف “ على حين ان كل تلك المفردات التي ترتبط بالكمال اتخذت معنى انطولوجيا عند الشيخ الأكبر 6.

* * *

* يفسر الشيخ ابن العربي الفناء والبقاء في ضوء نظريته: الخلق الجديد 7، وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من أن الفناء والبقاء لهما معنى انطولوجيا عنده ،

يقول:

“ فإنهم يرون [ أهل الكشف ] ان اللّه يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي، ويرون أيضا شهودا ان كل تجل يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق. فذهابه هو عين الفناء عند التجلي والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر 8. “

(فصوص 1 / 126 ).

ولكن الخلق الجديد الذي ربط به الشيخ ابن العربي الفناء والبقاء ليس قصرا على المتصوفة، بل هو منسحب على كل الجنس البشري، بل على كل المخلوقات يتساوى فيه الجميع. فأين فناء وبقاء سالك المنازل من فناء وبقاء الانسان الحيوان، والحيوان، والجماد ؟ !

..........................................................................................

( 1 ) راجع كتاب: معالم الفكر العربي. كمال اليازجي دار العلم للملايين بيروت ص ص 272 - 273 ( تأثير الفكر الهندي في فكرة الفناء الصوفية ).

من يرد الاستزادة من هذا الموضوع قبل الشيخ ابن العربي فليراجع إلى الكتب التالية:

 - التعرف لمذهب أهل التصوف. الكلاباذي. الباب التاسع والخمسون ص ص 147 - 157.

 - الرسالة القشيرية ص 36 - 37.

 - نشأة التصوف الاسلامي. الدكتور إبراهيم بسيوني ط. دار المعارف بمصر ص 238 - 239

 - طبقات الصوفية - السلمي. تحقيق نور الدين شريبة ص 378.

 - التصوف الاسلامي الخالص. محمود أبو الفيض المنوفي ط. دار نهضة بمصر ص 158 - 161

 - عوارف المعارف - السهروردي ص 524 - 525.

 - شرح الرسالة القشيرية للأنصاري ج 2 ص 60 - 66.

Exegese Coranique

 - فهرس المصطلحات مادة “ بقاء “.

 - شطحات صوفية بدوي ص 123

ترجمة اللوائح جامي ص  و ص .

اللمع ص

في التصوف الاسلامي نيكلسون ص  ترجمة عفيفي.

La Mystique et les Mystiques. Desclee de Brouwer p. p. -  art. la mystique musulmane R. Arlandeze

( 3 ) أبو العلا عفيفي، رغم انه من أوائل دارسي الشيخ ابن العربي فيالعصر الحديث، لم ينتبه إلى نظرة الشيخ ابن العربي الخاصة إلى الفناء والبقاء. بل ظل ينظر اليهما كحالين متتاليين زمنيا.

يقول في فصوص الحكم ج 2:

“ فان فناء الصوفي ليس امرا سلبيا محضا، وليس امرا عدميا، بل يعقبه “ بقاء “ اي بقاء بالحق “ ( ص 72 ).

“ بقاء بعد فناء “ ( ص 83 ).

( 4 ) ان البقاء نعت الهي من حيث إن الحق تسمى بالباقي. وقد تحرى علم الكلام الصفات الإلهية وذهب فيها مذاهب، وتكلم على معنى “ الباقي “ وصفة “ البقاء “.

راجع: “ مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين. الأشعري ج 2

- ص 53 - 54 ( قولهم في البقاء والفناء: وقد اختلفوا فيه على ثمان مقالات ).

- ص 54 - 55 ( اين يوجد البقاء والفناء ؟ وقد اختلفوا فيه على اربع مقالات ).

- ص 55 - 56 ( قولهم في معنى “ الباقي “ ).

( 5 ) ان فناء العبد محال عند الشيخ ابن العربي: لأنه من المحال فناء عينه الثابتة، فثبوت العبد هو عين بقائه انظر “ فناء “.

( 6 ) راجع “ كمال “. كما يراجع بشأن البقاء عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 4 ص 45.

- فصوص ج 2 ص 72 وص 214

- مشاهد الاسرار القدسية ق 6 وق 7.

- مطلع خصوص الكلم للقيصري ق 29.

- كتاب التراجم ص 7.

يراجع بشأن “ الفناء “ عنده:

- كتاب الهو ص 189، 190، 205.

- شق الجيوب ق 55

- الديوان ص 50

- وسائل السائل ص 44

- مواقع النجوم ص 15

- الفتوحات ج 3 ص 107

( 7 ) راجع “ خلق جديد “

( 8 ) وهذا يعني ان الخلق في فناء وبقاء مع الأنفاس.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!