الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


66. بحر

في اللغة:

“ الباء والحاء والراء. قال الخليل سمّي البحر بحرا لاستبحاره وهو انبساطه وسعته. .. ورجل بحر، إذا كان سخيا. .. والأصل الثاني داء. .. رجل بحر إذ اصابه سلال. .. فإن قال قائل: فأين هذا من الأصل الأول الذي ذكر تموه في الاتساع والانبساط ؟

قيل له: كله محمول على البحر. لان ماء البحر لا يشرب، فإن شرب أورث داء. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ بحر “ )

في القرآن:

لم يخرج مضمون بحر في القرآن عن معناه المعروف :” وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ “( 14 / 32 ).

عند الشيخ ابن العربي:

* البحر اسم قطب غيبي، ولنترك الشيخ ابن العربي يروي مشاهدته لاقطاب الأمم السابقين.

يقول:

“ واما أقطاب الأمم المكمّلين، في غير هذه الامّة ممن تقدّمنا بالزمان، فجماعة ذكرت لي أسماؤهم باللسان العربي، لمّا أشهدتّهم ورايتهم في حضرة برزخية. .. فكان منهم المفرّق ومداوي الكلوم، والبكّاء، والمرتفع. ..

والواسع، والبحر. .. فهؤلاء المكملون الذين سموا لنا، من آدم - عليه السلام - إلى زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم “ ( الفتوحات السفر الثاني فق 567 ).

****

يستعمل الشيخ ابن العربي “ البحر “ في مقابل “ البر “ للدلالة على الباطن والمعنوي في مقابل الظاهر والبدني.

يقول:

“ ولما كان القرب بالسلوك والسفر اليه [ تعالى ]، لذلك كان من صفته “ النور “ لنهتدي به في الطريق. كما قال تعالى :” جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ “[ 6 / 97 ] وهو [ السلوك ] الظاهر بالاعمال البدنية -

“ والبحر “ [ 6 / 97 ] وهو السلوك الباطن المعنوي، بالاعمال النفسية “ ( الفتوحات السفر 3 فق 179 ).

“. .. اجعلني [ يطلب الساجد من الحق عز وجل ] نورا يهتدي به كل من رآني في ظلمات بر ظاهره، وبحر نفسه وباطنه “ ( الفتوحات السفر 6 / 475 ).

****

يستعير الشيخ ابن العربي أحيانا من البحر صفته: الاتساع، الشمول، الإحاطة. .. ليضيفها إلى مصطلح “ البهت “ أو “ الهباء “ مثلا يبرز بذلك خروج هذ المصطلح من ذاتيته وماهيته إلى علاقة بالانسان. .. علاقة عرفانية أو سلوكية في أغلب الأحيان ؛ تضع الانسان في مواجهة مضمون المصطلح 2.

يقول:

“. .. فإن الميل إلى الجانب الأيمن يرمي بسالكه في بحر البهت والسكون، فيخسر عمره فتنتقص مرتبته عن مرتبة غيره. .. والميل أيضا إلى الجانب الأيسر يلقيه في بحر التلف وهلاك الأبد، فالنجاة في ثبوتك على الطريق الوسطى من غير ميل إلى أحد الجانبين. .. “ ( نسخة الحق ق 28 ب ).

“. .. أمطرت براق الهمة وخرجت عن كور هذه العمة، فوقعت في بحر الهب فعاينت من أجاب ومن أبى، فعاينت الآخرة والأولى. .. “

( رسالة الاتحاد الكوني ق 141 ب )

بحر “ من الرموز العرفانية التي تتمتع بدلالات موحية، استطاع الشيخ ابن العربي ان يستغلها في بنيانه الفكري. فترد “ بحر “ عنده، على الأغلب، في سياق نص عرفاني علمي 3 لتتضمن مفهوم: العلوم والاسرار.

يقول:

“. .. وقال. .. خضر لموسى - عليه السلام - لما رأى الطائر الذي وقع على حرف السفينة ونقر من البحر بمنقاره: “ أتدري ما يقول هذا الطائر في نقره في الماء ؟ “

- قال موسى - عليه السلام -: “ لا أدري

“ - قال ( الخضر ): “ يا موسى، يقول هذا الطائر: ما نقص علمي وعلمك من علم اللّه، الا ما نقص من هذا البحر منقاري. “ ( الفتوحات السفر 4 فق 137 )

“ وبين العلم والمعلوم، بحور لا يدرك قعرها 4، فان سر التعلّق بينهما، مع تباين الحقائق، بحر عسير مركبه، بل لا تركبه العبارة أصلا ولا الإشارة، ولكن

يدركه الكشف، من خلف حجب كثيرة دقيقة. .. “ ( الفتوحات السفر 1 فق 523 )

“ فاغطس في بحر القرآن العزيز، ان كنت واسع النّفس، والا فاقتصر على مطالعة كتب المفسرين لظاهره: ولا تغطس فتهلك.

فان بحر القرآن عميق. .. “ ( الفتوحات السفر 1 فق 625 ).

“ فان ظلمة الجو تقترن معها ظلمة البحر تقترن معها ظلمة الموج. .. فظلمة الليل ظلمة الطبع، وظلمة البحر ظلمة الجهل وهو فقد العلم. .. “ ( ف 2 / 660 )

“ ان “ البحر “ عبارة عن العلم “ ( الفتوحات السفر 5 فق 560 ).

ويتضح من النصين الأخيرين ان “ البحر “ عند شيخنا الأكبر يشير إلى العلم فالبحر اذن عبارة عن العلم، لذلك يتوجب على القارئ ان يبحث عن مضمون مفرد “ بحر “ في احدى الفقرات الثلاث السابقة أو هذه الأخيرة. إذ لا بد ان تنطبق عليه احدى هذه الاستعمالات التي يوردها الشيخ الأكبر. مثلا.

يقول :” ولما رأيت الحقّ بالاوّل اتّصف *** اتيت إلى بحر البداية اغترف “( فتوحات السفر 4 فق 151 ).

فبحر البداية ليس مصطلحا جديدا يستوجب التوقف عنده. بل يشمله المضمون “ الرابع “ لكلمة “ بحر “. اي “ بحر البداية “ هنا هو “ علم البداية “. وهكذا يجب ان نفهم هذا الرمز عند الشيخ ابن العربي في إضافاته بالتقنية التي طرحنا.

* * * *

يعبّر الشيخ الأكبر عن فكرته بالوجود الواحد - أو وحدة الوجود كما يحلو لدارسيه ان يطلقوا عليها - باشكال شتى من الصور والتمثيلات:

الذات والظلال. .. الشمس ونورها. .. ألوان قوس القزح. . الخ. ..

( انظر وحدة وجود ) وهو في كل تلك التمثيلات يراعي أهمية توصيل الصورة إلى القارئ بأصناف من المدركات السابقة والمقبولة.

ويتكلم هنا الشيخ ابن العربي على الوجود الواحد، فيرسم صورة الوجود: بالبحر الواحد، والبحار الأربعة، والأنهار الأربعة.

ولكن لماذا استعار صورة البحر والنهر للدلالة على وحدته الوجودية ؟

نجيب عن ذلك، بان الصورة هنا ليست مقصودة لذاتها وانما هي

“ مشاهدة “، وبلغتنا “ تجربة معرفية “ للانسان. اذن انسجاما مع استعماله رمز “ البحر “ في سياق عرفاني، نجده يستعمله هنا للوصول إلى اثبات مقامات السالكين، في مشاهدتهم للوجود بالنسبة لترتيب هذا الشهود فمنهم: الصديق - والشهيد - وصاحب الدليل - وصاحب الآفات - والمقربون. ..

يقول:

“ اشهدني الحق الأنهار. وقال: تأمل وقوعها، فرأيتها تقع في أربعة أبحر:

النهر الواحد يرمي في بحر الأرواح، والنهر الثاني يرمي في بحر الخطاب، والنهر الثالث يلقي في بحر الزمان والشكر، والنهر الرابع يرمي في بحر الحب، ويتفرّع من هذه الأنهار جداول تسقي زراعات الزارعين.

ثم رميت ببصري في بحر فرأيتها تنتهي إلى بحر واحد محيط بجميعها ترمي في هذه الأبحر

. ورأيت الأنهار الأربعة تتفجر من ذلك البحر المحيط ثم ترجع اليه بعد الامتزاج بهذه الأربعة الأبحر.

فقال لي: هذا البحر المحيط بحري وأوليك ابحري ولكن ادّعت السواحل انه لها 5.

فمن رأى البحر المحيط قبل الا بحر والأنهار فذلك صدّيق 6.

ومن شاهدها دفعة واحدة فذلك شهيد.

ومن شاهد الأنهار ثم البحر فذلك صاحب دليل، ومن شاهد الا بحر ثم الأنهار ثم البحر فذلك صاحب آفات لكنه ناج. .. وإلى هذا البحر [ المحيط ] ينتهي المقربون. .. “ ( مشاهد الاسرار القدسية ق ق 56 - 57 )

* * * *

يرد عند الشيخ ابن العربي لفظ “ بحرين “ القرآني، فيشير النص إلى أن البحرين هما بحري الوجوب والامكان.

يقول :” مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ ل يَبْغِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ “هل بالبحر الذي أوصله به، فافناه عن الأعيان ؟ أو بالبحر 7 الذي فصله عنه وسماه الأكوان ؟ أو بالبرزخ، الذي “ استوى عليه الرحمن “ ؟” فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ “[ 55 / 21 ] “ ( الفتوحات السفر 1 فق 482 ).

..........................................................................................

( 1 ) يرد عند بحث هذا المصطلح جملة مصطلحات جانبية متعلقة ببحر هي:

بحر البهت - بحر التلف - بحر الهبا - بحر الأرواح - بحر الخطاب - بحر الشكر - بحر

الحب - البحر الواحد المحيط - بحر البداية - بحر القرآن - بحر ذات الذات - بحر الأزل - بحر الأبد - البحر الأجاج - بحر الحقيقة - البحر اللدني - بحار ارض الحقيقة. ..

( 2 ) من الصعب احصاء جملة المصطلحات التي يضيف إليها الشيخ ابن العربي مفرد “ بحر “، ولكن من الممكن اعتبار ما تقدم بمثابة قاعدة عامة يمكن تطبيقها على نصوص الشيخ الأكبر، والتي تتوفر فيها هذه الخاصية.

( 3 ) يكفي للتيقن من ذلك الرجوع إلى النصوص التي تضم هذا المفرد والتي أحلنا إليها في نهاية مضمونه.

( 4 ) من الواضح ان “ بحورا لا يدرك مقرها “ تشير هنا إلى علوم واسرار بعيدة المنال.

( 5 ) إشارة إلى “ وحدة الوجود “ فلتراجع

( 6 ) إشارة إلى مقام الصديق: ما رأيت شيئا الا رأيت اللّه قبله.

( 7 ) يراجع بخصوص “ بحر “ عند الشيخ ابن العربي:

- رسالة شق الجيب ص 81 ( البحر )، ص 54 ( بحر ذات الذات )

- عنقاء مغرب ص 67

- الفتوحات الجزء الرابع ص 338 ( نهر وبحر ) ؛ ص 397 ( الأنهار والبحار ) ،

- الفتوحات السفر الأول الفقرة 433 ( البحر والعلم )، فقرة 539 [ البحر وصفة العمق ] فقرة 635 [ الأنهار والبحار ] - فقرة 483 [ بحر الأزل - بحر الأبد - البحر الذاتي الاقدس ] - فقرة 481 [ البحر الأزلي - البحر الأبدي ].

- الفتوحات السفر الثاني فقرة 399 [ بحار ارض الحقيقة - بحر الذهب - بحر الحديد ]، فقرة 408 [ بحر التراب ].

- الفتوحات السفر الرابع فقرة 532 [ البحر ] - فقرة 533 [ البحر ] - فقرة 575 [ البحران ] فقرة 638 [ البحار ].

- الفتوحات السفر السادس فقرة 120 [ البحر الأجاج ]، فقرة 331 [ بحر واسع - علم، بحر الحقيقة - البحر اللدني ].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!