الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


558.  – الكثرة

في اللغة:

“ الكاف والثاء والراء أصل صحيح يدل خلاف القلة. من ذلك الشيء الكثير، وقد كثر ثم يزاد فيه لزيادة في النعت فيقال: الكوثر: الرجل المعطاء وهو فوعل من الكثرة. .. والكوثر نهر في الجنة. .. قالوا هذا، وقالوا أراد الخير الكثير.

الكوثر: الغبار. وسميّ بذلك لكثرته وثورانه. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ كثر “ ).

في القرآن:

( ) كثرة - خلاف قلة.

قال تعالى: ” وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً. “( 9 / 25 )

قال تعالى :” فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ “( 9 / 82 ).

( ب ) الكوثر: نهر في الجنة، أو الخير الكثير.

قال تعالى: ” إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ “( 108 / 1 )..

والجدير بالذكر ان القرآن الكريم لم يضع الكثرة في مقابل الوحدة، بل جعلها دائما من ثنائيات القلة.

عند ابن العربي:

لا تكاد تخلو فلسفة من مشكلة الوحدة والكثرة، بل الواقع ان نظرة المفكر إلى هذه المشكلة تحدد منهجه، وطريقته، وطبيعة تفكيره نفسه.

فالمفكر الفيلسوف ينظر إلى الوحدة والكثرة، ويحاول جاهدا، ان يفسر صدور الثانية

عن الأولى دون ان يتعارض مع مبدأ “ لا يصدر عن الواحد الا واحد “. أم المفكر الصوفي، فإنه ينظر إلى الوحدة والكثرة، نظرة مختلفة تصنفه بالتالي بين المتصوفين 1.

وهكذا انتقلت مشكلة الفلسفة، التي تتلخص بتفسير صدور الكثرة، إلى تصوف ابن العربي. آخذة شكل اتفاق الكثرة مع الوحدة في الوجود.

فكيف يفسر الشيخ الأكبر وجود الكثرة إلى جانب الوحدة دون ان يتكثر الوجود ؟

هذا يتضح برؤيته للكثرة وموقفه منها.

* * * *

هل الكثرة موجودة عند ابن العربي ؟ وان وجدت فما طبيعة وجودها ؟

لا يستطيع الشيخ الأكبر ان ينفي الكثرة المرئية في الوجود، فهي أظهر من أن تنكر، كما أنه لم يتخلص منها بجعلها وهما، لا مستندا حقيقيا له: اذن:

الكثرة موجودة، ولكن في مراتب وجودية لا تتنافي ووحدة الوجود عنده.

توجد الكثرة في مرتبتين:

الأولى: مرتبة الوجود المعقول، وهي هنا كثرة معقولة [ - كثرة الأسماء الإلهية ].

والثانية: مرتبة الوجود الظاهر الحسي، وهي هنا كثرة مشهودة [ - كثرة صور الموجودات - كثرة المظاهر.

اذن الكثرة معقولة ومشهودة، ولكنها ليست موجودة، كما يفهم الشيخ الأكبر الوجود الحق.

وبذلك حافظ الحاتمي على وحدته المعشوقة التي هي في الواقع أحدية كثرة 2.

يقول ابن العربي:

“. .. والكثرة معقولة بلا شك، ولكن هل لها وجود عيني أم لا ؟ فيه نظر.

فمن قال: ان هذه الكثرة الظاهرة في العين، أحوال مختلفة قائمة بعين واحدة، لا وجود لها، الا في تلك العين، فهي نسب، فلا حقيقة لها عينية في الوجود العيني 3.

ومن قال: ان لها أعيانا لم يقل بالعين الواحدة، ولا بالظاهر في المظاهر، لان الكثير مشهود لا الكثرة. فالكثرة معقولة، والكثير موجود مشهود. .. “ ( ف 2 / 500 - 501 ).

“. .. فاثبت الكثرة في الثبوت وانفها في الوجود، وأثبت الوحدة في الوجود وانفها في الثبوت “ ( ف 2 / 502 ).

“. .. وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد، كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، وان اختلفت حقائقها وكثرت، انها عين واحدة. فهذه كثرة معقولة في واحد العين [ - الذات الإلهية ]. فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة [ - عين الممكن ] 4. .. “ ( فصوص 1 / 124 - 125 ).

* * * *

استفاد الشيخ الأكبر من اثباته للكثرة المعقولة والكثرة المشهودة، تفسيرا لمنشأ الكثرة المشهودة في العالم من ناحية، وظل منسجما مع أقواله التي تؤكد كون الانسان صورة ونسخة.

فالكثرة المشهودة الظاهر للأعيان، سببها الكثرة المعقولة، وهي كثرة الأسماء الإلهية والصفات. فعن الواحد لا يصدر الا واحد، اذن ما صدر عن الواحد ال عين الممكن [ واحدة ]، اما كثرة الخلق فمنشؤها كثرة الحق اي كثرة أسمائه.

كل من قال بالكثرة، فقد نظر إلى الحقيقة الوجودية: من حيث ظهورها في العالم، وهي كثرة في الأعيان. ومن حيث تجليها في الأسماء الإلهية، وهي أيضا كثرة معقولة.

واما من قال بالوحدة، فقد نظر إلى الحقيقة الوجودية: من حيث ذاتها التي لا كثرة فيها، بوجه من الوجوه، فهي تتعالى، حتى عن الكثرة الاعتبارية العقلية، التي هي كثرة الاتصاف بالأسماء، فهي غنية حتى عن الأوصاف.

اذن: كل من قال بالكثرة وحدها، فهو محجوب، لأنه لا يرى سوى وجه واحد من الحقيقة. وكذلك كل من قال بالوحدة، دون الكثرة، لأنه لا يرى سوى الوجه الاخر من الحقيقة. اما العارف بالامر، على ما هو عليه، فيشاهد الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة. أو وحدة الكثرة وكثرة الوحدة.

وان كان في خاتمة الامر يقرر الوحدة فقط، من حيث إن الكثرة لا وجود له في ذاتها، ولا من ذاتها.

يقول ابن العربي:

( 1 ) العالم: وحدته: [ - عينه ]، كثرته: [ - احكامه ]. الحق: وحدته:

[ - ذاته ]، كثرته: [ - أسماؤه ].

“. .. الا ترى ان الحكماء قد قالوا: لا يوجد عن الواحد الا واحد، والعالم

كثير فلا يوجد الا عن كثير، وليست الكثرة الا الأسماء الإلهية، فهو واحد أحدية الكثرة 5. .. ثم إن الحكماء مع قولهم في الواحد الصادر عن الواحد، لمّ رأوا منه صدور الكثرة عنه، وقد قالوا فيه انه واحد في صدوره، اضطرهم إلى أن يعتبروا في هذا الواحد، وجوها متعددة عنه.

بهذه الوجوه صدرت الكثرة، فنسبة الوجوه لهذا الواحد الصادر، نسبة الأسماء الإلهية إلى اللّه. .. “ ( ف 4 / 231 ).

“ والعالم منفصل عن الحق بحدّه، وحقيقته. فهو منفصل متصل، من عين واحدة. فإنه لا يتكثر في عينه، وان تكثرت احكامه، فإنها نسب وإضافات عدمية معلومة. فخرج [ العالم ] على صورة حق. فما صدر عن الواحد الا واحد، وهو عين الممكن. وم صدرت الكثرة أعني احكامه، الا من الكثرة، وهي الاحكام المنسوبة إلى الحق، المعبر عنها بالأسماء والصفات 6.

فمن نظر العالم من حيث عينه، قال: باحديته.

ومن نظره من حيث احكامه ونسبه، قال بالكثرة في عين واحدة.

وكذلك نظره في الحق فهو الواحد الكثير 7. .. “ ( ف 3 / 325 ).

“ الحق واحد في الوجود 8، الانسان واحد في الكون “ 9 ( التراجم ص 31 ).

( 2 ) كثرة في وحدة. وحدة في كثرة:

“ فمن وقف مع الكثرة، كان مع العالم، ومع الأسماء الإلهية، وأسماء العالم. ومن وقف مع الأحدية، كان مع الحق، من حيث ذاته الغنية عن العالمين.

وإذا كانت غنية عن العالمين، فهو عين غنائها عن نسبة الأسماء لها. “ ( فصوص 1 / 104 - 105 ).

“ كل مشهد لا يريك الكثرة في العين الواحدة، لا تعول عليه “ ( رسالة ل يعول عليه ص 14 ).

“ فالوحدة التي لا كثرة فيها، محال “ ( ف 3 / 483 ).

( 3 ) الكثرة لا وجود لها في ذاتها:

“ الشخص وان كان واحدا، فلا تقل له ظل واحد، ولا صورة واحدة، في المرء. فعلى عدد ما يقابله من الأنوار، يظهر للشخص ظلالات، وعلى عدد

المراي، تظهر له صور. فهو واحد، من حيث ذاته. متكثر، من حيث تجليه في الصور، أو ضلالاته في الأنوار. فهي المتعددة، لا هو. وليست الصور غيره. “ (التراجم ص 31 ).

..........................................................................................

( 1 ) مثلا: قد يقول أحدهم باثنينية الحق والعالم. وبالتالي الوحدة للحق والكثرة للعالم.

وأصحاب مذاهب الوحدة يرون الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة وهذا م سنراه عند الشيخ الأكبر.

( 2 ) راجع “ وحدة “ “ أحدية الكثرة “.

( 3 ) وبهذا الرأي يقول الشيخ الأكبر ويتضح موقفه هذا في النص التالي.

( 4 ) راجع المعنى “ الثالث “.

( 5 ) راجع “ أحدية الكثرة “.

( 6 ) راجع فيما يتعلق بكثرة الصفات مع أحدية الذات.

- المضنون الكبير، الغزالي هامش الانسان الكامل ج 2 ص 64.

كما يراجع: “ صفة “ في هذا المعجم.

( 7 ) انظر “ الواحد الكثير “.

( 8 ) انظر “ وجود “.

( 9 ) انظر “ كون “.

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!