الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


537.  – القرآن

في اللغة:

“ واما القرآن فاختلف فيه. فقال جماعة: هو اسم علم غير مشتق خاص بكلام اللّه فهو غير مهموز. .. وهو مروى عن الشافعي. ..

وقال قوم ومنهم الأشعري: هو مشتق من قرنت الشيء بالشيء، إذا ضممت أحدهما إلى الآخر وسمي به: القرآن. ..

وقال الفراء: هو مشتق من القرائن لان الآيات منه يصدق بعضها بعضا. ..

وقال آخرون منهم الزجاج: هو وصف على فعلان، مشتق من القرء بمعنى الجمع، ومنه قرأت الماء في الحوض أي جمعته 1. .. ( وحكى ) قطرب. .. انما سمي قرآنا لان القارئ يظهره ويبينه من فيه. ..

قلت [ الامام السيوطي ] والمختار عندي في هذه المسئلة ما نص عليه الشافعي “ ( الاتقان في علوم القرآن. السيوطي ج 1 ص ص 50 - 51 ).

في القرآن 2:

هو علم للكتاب المنزل على رسول اللّه محمد بن عبد اللّه، خاتم النبيين صلى اللّه عليه وسلم.

وهو آخر الكتب السماوية نزولا.

بدأ نزول القرآن بمكة، ثم توالى حتى تم في ثلاث وعشرين سنة، وقيل في عشرين سنة.

وأول ما نزل منه عندما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعبد وحده في غار حراء :” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ “[ 96 / 1 - 2 ]..

ثم توالى نزوله على حسب الحوادث. وكان رسول اللّه قد اتخذ كتابا، يكتبون ما ينزل منه أولا فأولا 3.

منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير بن العوام، وخالد وابان ابنا سعيد بن العاص، وعلاء بن الحضرمي، وأبي بن كعب، وغيرهم وهم كثيرون. وكان جبريل يعلم رسول اللّه ان يضع آية كذا في موضع كذا، على الترتيب الذي عليه آيات السور الآن.

اما ترتيب السور، فقد قال أكثر المسلمين انه أمر اجتهادي من الصحابة، وكان من الصحابة من جمع القرآن كله على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، منهم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد بن سعيد، وعبد اللّه بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وغيرهم كثيرون.

ولكن بعض هؤلاء الآخر اكملوا جمعه بعد وفاته صلى اللّه عليه وسلم.

لما ظهر في اليمامة، بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مسيلمة الذي ادّعى النبوة، وفتن كثيرا من العرب. أرسل أبو بكر اليه جيشا، فقاتله ودمره. ومات في تلك الوقعة سبعون من قراء القرآن. فقال عمر لأبي بكر، أخشى ان يستحرّ القتل في القراء، فيذهب كثير من القرآن، واني أرى ان يجمع.

وكان أبو بكر قبل موت هؤلاء السبعين يتردد في قبول مشورة عمر بذلك، فلما قتل هؤلاء ارسل لزيد بن ثابت وعهد اليه جمع القرآن.

فجمع زيد جميع الحفاظ، وكل ما كتب من القرآن، وأوعى كل ذلك بين دفتي كتاب واحد، فحفظه أبو بكر عنده، ثم عنه عمر في حياة أبي بكر، ثم أودعه عمر عند حفصة ابنته.

فلما انتشر المسلمون في الآفاق، اختلف الناس في القراءة على قدر اختلاف لغاتهم. مثل التابوت كان يقرأها بعضهم بالتاء وبعضهم بالهاء، فأخبر عثمان

بذلك، وكان أمير المؤمنين. فاستعار مصحف أبي بكر من عند حفصة، وكتب منه اربع نسخ، وضبطها بلغة قريش التي نزل بها القرآن. فأرسل إلى كل مصر بمصحف، وأمر الناس بان ينسخوا مصاحفهم منها، وأوعز باحراق كل ما خالفها وكان ذلك سنة ( 30 ) من الهجرة 4.

والقرآن في مجمله هو دستور المسلمين، ينظم علاقاتهم: بالحق، بالنبي، بأنفسهم، بغيرهم من البشر كل ذلك بمرونة متحركة تجعله مناسبا للانسان في تطوره عبر مراحل البشرية. ولو اتسع المجال لبينا ذلك بالرجوع إلى الالزام في القرآن وحدوده.

عند ابن العربي:

ورد اللفظان “ قرآن “ و “ فرقان “ في الكتاب العزيز للدلالة على التنزيل ( راجع الفقرة السابقة ). ولكن ابن العربي يفرق بينهما كما سنرى.

****

القرآن هو الجمع في مقابل الفرقان ( التفرقة )، ويرى ابن العربي ان اختصاص محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) من دون سائر الحقائق 5 بالقرآن، يعود إلى م في دعوته إلى الحق، من الجمع بين التنزيه والتشبيه، في مقابل دعوة غيره ( فرقان - تنزيه ).

يقول ابن العربي:

“ وقال [ التنزيل بلسان نوح ]” دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً “ [ 71 / 6 ]. ..

وعلم [ العلماء باللّه ] انهم [ قوم نوح ] انما لم يجيبوا دعوته لم فيها من الفرقان، والامر قرآن لا فرقان. ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وان كان فيه. فان القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن 6. ولهذا ما اختص بالقرآن الا محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ). .. انه أوتي جوامع الكلم 7.

فما دعا محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليل في نهار، ونهارا في ليل. .. “ ( فصوص 1 / 70 - 71 ).

* * * *

ان القرآن هو الاجمال في مقابل الفرقان ( بيان - تفصيل ).

يقول ابن العربي:

“. .. كالمتقي إذا اتقى اللّه جعل له فرقانا، وهو علم يفرّق به بين الحق

والباطل 8 في غوامض الأمور ومهماتها عند تفصيل المجمل، وإلحاق المتشابه بالمحكم في حقه، فان اللّه أنزله متشابها ومجملا، ثم اعطى التفصيل من شاء من عباده. .. “ ( ف 4 / 219 - 220 ).

“ فان اللّه يقول” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ “[ 5 / 3 ] هذا هو الفرقان عند أهل اللّه بين الامرين، فإنهم [ أهل اللّه ] قد يرونه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في كشفهم، فيصحح لهم من الاخبار ما ضعف عندهم بالنقل، وقد ينفون من الاخبار ما ثبت عندنا بالنقل. .. ( ف 4 / 28) .”

خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ “ [ 55 / 4 ] وهو الفرقان “ ( ف 4 / 360 ).

* * * *

ان القرآن 9 هو الانسان. من حيث إنه جامع في ذاته لما تفرّق من حقائق العالم.

وهو على الأخص: “ الانسان الكامل “ 10 أو “ محمد “ ( صلى اللّه عليه وسلم )، للجمعية التي يتصف بها 11.

يقول ابن العربي:

“ فإذا قرأت القرآن، فكن أنت: القرآن لما في القرآن “ ( ف 4 / 461 ).

“. .. ولا يعرف ما قلناه، الا من كان قرآنا في نفسه 12 “ ( فصوص 1 / 89 )

“ فمن أراد ان يرى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) ممن لم يدركه من أمته، فلينظر إلى القرآن.

فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر اليه وبين النظر إلى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ).

فكأن القرآن انتشأ صورة جسدية يقال لها محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب.

والقرآن كلام اللّه وهو صفته، فكان محمد صفة الحق. .. “ ( ف 4 / 61 ).

..........................................................................................

( 1 ) وبهذا الاشتقاق قال ابن العربي. انظر الفتوحات ج 3 ص 318.

( 2 ) “ وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيدلة. .. في كتاب البرهان: اعلم أن اللّه سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما، سماه: كتابا ومبينا [ 44 / 2 ]. .. وقرآنا وكريما [ 56 / 77 ]. .. وكلاما [ 9 / 6 ]. .. ونورا [ 4 / 174 ]. .. وهدى ورحمة [ 27 / 77 ]. .. وفرقانا [ 25 / 1 ]. .. وشفاء [ 17 / 82 ]. .. وموعظة [ 10 / 57 ]. .. وذكرا ومباركا [ 21 / 50 ]. .. وعليا

[ 43 / 4 ]. .. وحكمة [ 54 / 5 ]. .. وحكيما [ 10 / 1 ]. .. ومهيمنا [ 5 / 48 ] وحبلا [ 3 / 103 ]. .. وصراطا مستقيما [ 6 / 153 ]. .. وقيما [ 18 / 2 ]. .. وقولا وفصلا [ 86 / 13 ]. .. ونبأ عظيما [ 78 / 2 ]. .. وأحسن الحديث ومثاني ومتشابها [ 39 / 23 ]. .. وتنزيلا [ 26 / 192 ]. .. وروحا [ 42 / 52 ]. .. ووحيا [ 21 / 45 ]. .. وعربيا [ 12 / 2 ]. .. وبصائر [ 7 / 203 ]. .. وبيانا [ 3 / 138 ]. .. وعلما [ 13 / 37 ]. .. وحقا [ 3 / 62 ]. .. وهاديا [ 17 / 9 ]. ..

وعجبا 41 / 44 [ ]. .. وتذكرة [ 69 / 48 ]. .. والعروة الوثقى [ 2 / 256 ]. .. وصدقا [ 39 / 33 ]. .. وعدلا [ 6 / 115 ]. .. وامرا [ 65 / 5 ]. .. ومناديا [ 3 / 193 ]. .. وبشرى [ 2 / 97 ]. .. ومجيدا [ 85 / 21 ]. .. وزبورا [ 21 / 105 ]. .. وبشيرا ونذيرا [ 3 / 41 ]. .. وعزيزا [ 41 / 41 ]. .. وبلاغا [ 14 / 52 ]. .. وقصصا [ 12 3/ ]. .. وسماء أربعة أسماء في آية واحدة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة [ 80 / 13 ] “ ( الاتفان في علوم القرآن. السيوطي ج 1 ص ص 51 - 52 ).

كما يراجع مرادفات “ الفرقان “ في التنزيل [ - النور، الخروج من الشبهة، النصر ]، كتاب الترمذي “ تحصيل نظائر القرآن “ ص ص 48 - 50 ،

( 3 ) وذلك بخلاف “ الحديث “ الذي منع الرسول من كتابته ووصلن بالتواتر اللفظي السمعي

( 4 ) انظر دائرة المعارف الاسلامية النسخة العربية مادة “ قرآن “.

كما يراجع :-Comprendre lIslam. Schuon P. P. 11 - 23- Le coran ، Blachere Introduction P. P. 11 - 23- مباحث في علوم القرآن. صبحي الصالح ص ص 18 - 20

( 5 ) هذا الاختصاص بالقرآن لمحمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) ارث يرثه “ المحمديون “ راجع “ محمدي “.

( 6 ) ان القرآن يتضمن الفرقان، والفرقان لا يتضمن القرآن. كما أن الجمع يتضمن التفرقة.

والتفرقة لا تتضمن الجمع. ( راجع “ جمع “ ).

( 7 ) راجع “ جوامع الكلم “.

( 8 ) الموضوع نفسه. انظر :Mahomet. Maurice gaudefroy - Demombynes P. 305( 9 ) يراجع بخصوص “ قرآن “ و “ فرقان “ عند ابن العربي:

- الفتوحات ج 1 ص 56 ( قرآن - جمع ) ،

- الفتوحات ج 3 ص 329 ( ختم الولاية المحمدية - أخ القرآن ).

ص 366، ص 402 ( الفرقان - البيان )، ص 472.

- الفتوحات ج 4 ص 51 ( عين القرآن )، ص 133 ( القرآن فرقان )

ص 151 ( الفرقان في عين القرآن ).

( 10 ) يقول القيصري: “ فالدالة منهما [ الحقائق العلمية ] على جملة مفيدة آية، والبعض الجامع لتلك الجمل سورة،

ومجموع المعقولات أو الموجودات باعتبار التفصيل فرقانا وباعتبار الجمع قرآنا، ولكون جمعها في الانسان الكامل يسمي نفسه أيضا قرآنا. .. “ ( رسالة في علم الحقائق. ق ق 3 ب - 4 ).

راجع “ انسان كامل “.

( 11 ) انظر “ مجمع الحقائق “ “ مختصر “ “ نسخة “ “ صورة “ “ حقيقة الحقائق “. كلها ألفاظ يوردها ابن العربي للدلالة على جمعية الحقيقة المحمدية لحقائق الحضرتين: الإلهية والكونية.

( 12 ) يقول عفيفي في شرح المقطع: “ اي ولا يفهم هذه المسألة الا “ الانسان الكامل “ الذي هو الكون الجامع لحقائق الوجود كلها في نفسه، والتي تتمثل فيه جميع الصفات والأسماء الإلهية فهو كالقرآن يحوى كل شيء. “ ( فصوص 2 / 82 ).

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!