الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


489. - العماء

المترادفات:

نفس الرحمن - الحق المخلوق به 1 - الخيال المطلق - عين البرزخ - مرتبة الانسان الكامل - حقيقة الحقائق.

في اللغة:

“ العين والميم والحرف المعتل أصل واحد يدل على ستر وتغطية. ..

ومن الباب العماء: السحاب الكثيف المطبق، والقطعة منه عماءة.

وقال الكسائي: هو في عماية شديدة وعماء، اي مظلم. ..

ويقال: العماء: الغبار “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ عمى “ ).

في القرآن:

لفظ “ عماء “ لم يرد في القرآن .عند ابن العربي 2:

* مصدر لفظ “ عماء “:

ان لفظ “ عماء “ بما يحويه من إشارات فهمها شيخنا الأكبر، وحاول بالتالي تبيان ايماءاتها ومدلولاتها، برز في الفكر الصوفي من حديث شريف هو بالواقع جواب لسؤال عن: أينية الرب قبل الخلق.

يقول ابن العربي:

“ [ العماء ] الذي هو أول ظرف قبل كينونة الحق ورد في الصحيح انه قيل لرسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ): اين كان ربنا قبل ان يخلق خلقه ؟

قال: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء 3.

وانما قال هذا من اجل ان العماء عند العرب: هو السحاب الرقيق الذي تحته هواء وفوقه هواء، فلما سماه بالعماء أزال ما يسبق إلى فهم العرب من ذلك. .. “.

( ف 2 / 310 ).

****

العماء اسم لنفس الرحمن، سبب التسمية:

كان الحق كنزا مخفيا لم يعرف، أحب ان يعرف فبهذا الحب وقع التنفس وظهر نفس الرحمن 4.

فكان صورته “ العماء “ من حيث إن العماء الذي هو السحاب يتولد من الأبخرة، ونفس الرحمن بخار رحماني.

اذن أول صورة قبلها النفس هي “ العماء “، بل العماء هو عين النفس الرحماني. ومن العماء وفيه ظهر كل ما سوى اللّه من حيث إن المخلوقات كلمات اللّه 5 فتظهر كظهور الكلمة في نفس المتكلم.

يقول ابن العربي:

“ ( 1 ) وانتشاء هذا العماء من نفس الرحمن من كونه الها لا من كونه رحمانا فقط، فجميع الموجودات ظهر في العماء بكن أو باليد الإلهية [ جنة عدن ] أو باليدين [ آدم ] الا العماء فظهوره بالنفس خاصة. .. وكان أصل ذلك حكم الحب. ..

كما ورد كنت كنزا لم اعرف فأحببت ان اعرف 6 فبهذا الحب وقع التنفس فظهر النفس فكان العماء، فلهذا أوقع عليه اسم العماء الشارع، لان العماء الذي هو السحاب يتولد من الأبخرة. .. “ ( ف 2 / 310 ).

“ فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق. “ ( ف 3 430/ ).

“ ( 2 ) لأنه [ الحق ] خلقهم [ المخلوقات ] وأظهرهم في العماء، وهو نفس الرحمن، فهم كالحروف في نفس المتكلم في المخارج وهي مختلفة. .. “ ( ف 3 / 465 ).

* العماء هو الحق المخلوق به:

ان العماء هو: الحق المخلوق به كل موجود سوى اللّه.

العماء - الحق. من حيث إن العماء هو صورة تنفسه، وتنفس الحق حق.

العماء - مخلوق به كل ما سوى اللّه، من حيث إنه جوهر العالم الذي قبل صورها جميعا.

يقول ابن العربي:

“ فكان العماء المسمى بالحق المخلوق به 7، فكان ذلك العماء جوهر العالم فقبل صور العالم وارواحه وطبائعه كلها وهو قابل إلى ما لا يتناهى. ..

فالعماء من تنفسه [ الحق ] والصور المعبّر عنها بالعالم من كلمة كن. .. “

( ف 2 / 331 ).

“ فالعماء أصل الأشياء والصور كلها، وهو أول فرع ظهر من أصل. .. “ ( ف 3 / 420 ).

“ والعماء هو جوهر العالم كله، فالعالم ما ظهر الا في خيال، فهو متخيل لنفسه 8. .. “ ( ف 2 / 313 ).

****

العماء هو عالم “ الثبوت “ بالنسبة للممكنات جميعا إذ فيه تثبت صور الموجودات كلها، ولكن ثبوت صور الممكنات فيه أعطاه الوجود العيني.

اذن العماء “ ثبوت “ بالنسبة للممكنات، ووجود عيني بالنسبة له في حال ثبوتها - ومن هذه الحيثية ( العماء - ثبوت بالنسبة للممكنات ) ذهب البعض 9 إلى أن العماء هو علم الحق ( عالم الثبوت - علم الحق ) 10.

يقول ابن العربي:

“ والعماء هو أول الاينيات ومنه ظهرت الظروف المكانيات والمراتب. .. وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات “ ( ف 2 / 283 ).

“ فلما سمعنا [ الممكنات ] كلامه [ كلام الحق - كن ] ونحن ثابتون في جوهر العماء، لم نتمكن ان نتوقف عن الوجود.

فكنا صورا في جوهر العماء، فأعطينا بظهورها في العماء الوجود للعماء بعدما كان معقول الوجود حصل له الوجود العيني “ ( ف 2 / 331 ).

* * *

* يتميز العماء بالنقاط التالية:

 - انه أصل العالم، إذ عنه ظهر ( انظر المعنيين الثاني والثالث السابقين ).

 - انه عالم الثبوت بالنسبة للممكنات، عالم الحقائق الثابتة ( انظر المعنى الرابع ).

 - أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا ( سيرد هذا النص ).

وهذه النقاط تبين بوضوح ان العماء هو “ حقيقة الحقائق “ كما يراها ابن العربي 11.

يقول:

“. .. العماء هو. .. الذي. .. يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا، وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديما وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدثا. ..

فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف الهي، ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني، فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين “ ( ف 2 / 63 ).

****

ان العماء هو “ الخيال المطلق “ وذلك لاتساعه لصور الكائنات كلها 12.

يقول ابن العربي:

“ ان حقيقة الخيال المطلق هو المسمى بالعماء. .. ففتح اللّه تعالى في ذلك العماء صور كل ما سواه من العالم، الا ان ذلك العماء هو الخيال المطلق ال تراه يقبل صور الكائنات كلها ويصوّر ما ليس بكائن، هذا لاتساعه فهو عين العماء ل غيره “ ( ف 2 / 310 ).

****

العماء هو أول كينونة وأينية للحق - وأول مظهر الهي ظهر، ومنه ظهر كل ما سوى اللّه - وهو مستوى الاسم الرب.

يقول ابن العربي:

“ ( 1 )فهو [ العماء ] أول موصوف بكينونة الحق فيه فان للحق على م اخبر خمس كينونات: كينونة في العماء. ..

وكينونة في العرش وهو قوله :” الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى “[ 20 / 5 ]

وكينونة في السماء في قوله “ ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا “

وكينونة في الأرض وهو قوله :” وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ “[ 6 / 3 ]

وكينونة عامة وهو مع الموجودات على مراتبها. ..

فقال:

“ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ “[ 57 / 4 ] “.

( ف 2 / 310 ).

“ واختار [ الحق ] من الاينيات العماء 13 فكان له قبل خلق الخلق، ومنه خلق الملائكة المهيمة. .. فجعل العماء أينية له “ ( ف 2 / 174 ).

( 2 ) كان جل وتعالى في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، وهو أول مظهر الهي ظهر فيه. .. “ ( ف 1 / 148 ).

( 3 ) “ العماء 14 وهو مستوى 15 - الاسم الرب 16 –

كما كان العرش 17 مستوى الرحمن 18 “ ( ف 2 / 283 ).

..........................................................................................

( 1 ) عبارة “ الحق المخلوق به “ استفادها شيخنا الأكبر من ابن برجان انظر الفرق بين موقفيهما من هذه العبارة: مجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة 1933، ص 10. ( 2 ) يراجع بشأن “ العماء “: - تعريفات الجرجاني ص 163 ،

- مطلع خصوص الكلم.

القيصري: ورقة 4 أ: “. .. حقيقة الوجود إذا اخذت بشرط ان لا يكون معه شيء فهي المسماة عند القوم بالمرتبة الأحدية، المستهلكة جميع الأسماء والصفات فيه وتسمى جمع الجمع وحقيقة الحقائق والعماء. .”، ورقة 4 ب( مرتبة الانسان الكامل - المرتبة العمائية ) ،ورقة 5أ ،ورقة 24 ب.

- اصطلاحات الصوفية. عز الدين عبد السلام بن غانم المقدسي. ورقة 86 ( العماء ). - شرح تائية ابن الفارض. القيصري. ورقة 7 ( العماء - الأحدية ).

- تنبيه العقول الشهرزوري، ورقة 62 ب

(العماء - ظاهر الحق - الخيال المطلق - صورة النفس الرحماني).

- ورد الورود النابلسي. ورقة 3 ( العماء كناية عن حضرة علم اللّه تعالى ) ،

- اما الجيلي فيفرد للعماء الباب التاسع ص ص 30 - 32 من الانسان الكامل حيث يشرحه قائلا: “ ان العماء عبارة عن حقيقة الحقائق التي لا تتصف بالحقية ولا بالخلقية، فهي ذات محض لأنها لا تضاف إلى مرتبة لا حقية ولا خلقية، فلا تقتضي لعدم الإضافة وصفا ولا اسما ،

هذا معنى قوله ( صلى اللّه عليه وسلم ): ان العماء ما فوقه هواء ول تحته هواء يعني لا حق ولا خلق، فصار العماء مقابلا للاحدية: فكما ان الأحدية تضمحل فيها الأسماء والأوصاف. ..

فكذلك العماء ليس لشيء من ذلك فيه مجال ولا ظهور. والفرق بين العماء والأحدية ان الأحدية حكم الذات في الذات بمقتضى التعالي وهو الظهور الذاتي الاحدي، والعماء حكم الذات، بمقتضى الاطلاق فلا يفهم منه تعال وتدان وهو البطون الذاتي العمائي. .. “.

- اما صاحب لطائف الاعلام فيقول في العماء: “ العماء هو الحضرة العمائية التي عرفت بأنها هي النفس الرحماني والتعين الثاني، وانها هي البرزخية الحايلة بكثرتها النسبية بين الوحدة والكثرة الحقيقيتين. .. [ وانها ] محل تفصيل الحقائق التي كانت في المرتبة الأولى شيونا [ انظر

شأن ] مجملة في الوحدة، فسميت بهذا الاعتبار بالعماء وهو الغيم الرقيق وذلك لكون هذه الحضرة برزخا حايلا بين إضافة ما في هذه الحضرة من الحقائق إلى الحق والى الخلق، كما يحول العماء الذي هو الغيم الرقيق بين الناظر وبين نور الشمس. .. “ ( ق ق 132 ب - 133 ).

- كشاف التهانوي ج 5 ص 81، وقد عرف العماء بكلام الجيلي في الانسان الكامل بنص شبه حرفي.

( 3 ) راجع فهرس الأحاديث حديث رقم: ( 33 ).

( 4 ) نسبة إلى الرحمة من حيث إنه يتعلق بايجاد الخلق. انظر “ رحمة “

( 5 ) انظر “ كلمة “.

( 6 ) راجع فهرس الأحاديث حديث رقم: ( 34 ).

( 7 ) انظر رسم العماء وما يحويه من حقائق. الفتوحات ج 3 ص 421 ،

( 8 ) انظر “ خيال “

( 9 ) انظر: ورد الورود النابلسي ورقة 3، لطائف الاعلام ورقة 133 أ.

( 10 ) انظر “ عين ثابتة “.

( 11 ) انظر “ حقيقة الحقائق “ كما يراجع انشاء الدوائر ص ص 15 - 17.

( 12 ) انظر “ الخيال المطلق “ كما يراجع تنبيه العقول للشهرزوري ورقة 62 ب حيث يشرح موقف ابن العربي هنا.

( 13 ) ان اللّه بعد ان خلق الخلق اختار من كل صنف واحدا.

مثلا: اختار من الناس الرسل ومن الليالي ليلة القدر. .. انظر الفتوحات ج 2 ص 169.

( 14 ) يراجع بشأن “ عماء “ عند ابن العربي:

- عقلة المستوفز ص 57 ،

- فصوص الحكم ج 1 ص 111 - ج 2 ص 43 ( العماء - اسم لعالم الغيب ).

- الفتوحات ج 2 ص 104 ( الحق المخلوق به )، ص 311 ( العماء - الخيال المطلق، عين البرزخ ). ص 312 ( العماء - الحق المخلوق به - الممكنات )، ص 318، ص 391 ( العماء - النفس - الحق المخلوق به ) ص 395 ( العماء - نفس الرحمن )، ص 396 ( الانسان الكامل - الحق المخلوق به )، ص 400 ( العماء - قابل لصور حروف العالم ) ص 423 ( النفس والعماء )، ص 469.

- الفتوحات ج 3 ص 77 ( الحق المخلوق به )، ص 92 ( الحق المخلوق به )، ص 299

( العماء ) ص 355 ( الحق المخلوق به )، ص 399 ( العماء )، ص 443 ( العماء والصور الظاهرة فيه )، ص 444 ( الحق المخلوق به ) ص 459 ( العماء - نفس الرحمن )، ص 506 ( العماء ).

- الفتوحات ج 4 ص 211 ( العماء - نفس الرحمن ).

( 15 ) راجع “ الاستواء “.

( 16 ) يقول ابن العربي: “. .. فقال ( صلى اللّه عليه وسلم ): كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء فنزّه ان يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود، بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى ان يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء، فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء، فان السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه: الثابت “ ( ف 2 / 63 ).

( 17 ) انظر “ عرش “.

( 18 ) انظر “ رحمة “.

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!