الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


481.  – العصمة

في اللغة:

“ العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يدل على امساك ومنع وملازمة.

والمعنى في ذلك كله معنى واحد.

من ذلك العصمة: ان يعصم اللّه تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد باللّه تعالى، إذا امتنع. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ عصم “ ).

في القرآن:

ورد الأصل “ عصم “ في القرآن بالمعنى اللغوي السابق للدلالة على: منع وامساك والتجاء وحماية. ..

( ) قال تعالى: ” وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ “[ 12 / 32 ].

قال تعالى: ”قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ “[ 11 / 43 ].

( ب ) قال تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُو “[ 3 / 103 ].

( ج ) قال تعالى: ” قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ “[ 11 / 43 ].

اما “ العصمة “ التي اختلف فيها المتكلمون والفلاسفة، فلم يشر القرآن العزيز إلى وجودها، بل بقي الذنب ملازما للخلق حتى الأنبياء .”

قال تعالى: " لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ “[ 48 / 2].

وبديهي ان لا تكون مغفرة دون ذنب.

فإن لم يحصل الذنب فلا معنى للمغفرة ؛ والعصمة كما يقررها المنادون به لا تقبل الذنب.

عند ابن العربي 1:

* توقف ابن العربي عند النظرة الكلاسيكية إلى “ العصمة “ ورأى انه كمال التوفيق من اللّه. وضمنها عدة وجوه

- 1 ) عصمة المحل من القاء الشيطان ( وهي للأنبياء - والحفظ للأولياء )

- 2 ) عصمة الصورة من أن يتمثل بها الشيطان [ وهي لمحمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) فقط ]

- 3 ) عصمة القلب من خاطر السوء ( للأولياء )

- 4 ) عصمة المحل ( الانسان ) من أن يقوم به ذنب [ نص عليها القرآن في حق محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) ].

يقول ابن العربي:

“ ( 1 ) سأل العبد من مولاه كمال التوفيق، يريد استصحابه له في جميع أحواله كلها حتى لا تكون منه مخالفة أصلا. فإذا كمل التوفيق للعبد على ما ذكرناه فهو المعبر عنه بالعصمة والحفظ الإلهي “ ( مواقع النجوم 12 13 -).

“ ولا معنى للمعصوم في الحكم الا انه لا يخطئ “ ( ف 3 / 335 ).

“ ( 2 ) فسمي ذلك [ - تنزل الأرواح النورية لترصد مسالك الشيطان فيحتمي بها الملقي اليه ] عصمة ان كان نبيا، وحفظا ان كان وليا.

والفرق بين العصمة والحفظ: ان النبي لا يكون ابدا محلا لالقاء الشيطان في القلب. .. “ ( مفتاح الغيب ورقة 85 ).

“ ( 3 ) فمن رآه ( صلى اللّه عليه وسلم ) في المنام فقد رآه في اليقظة، ما لم تتغير عليه الصورة:

فان الشيطان لا يتمثل على صورته أصلا فهو معصوم الصورة حيا وميتا “ ( ف 4 / 28 ).

( 4 ) “ فان الانسان ما في قوته ان يمنع عن قلبه الخواطر، فمن لم يخطر الحق له خاطر سوء فذلك هو المعصوم. .. “ ( ف 4 / 35 ).

( 5 ) قال تعالى: ”لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ “[ 48 / 2 ]

فيسترك عما يستحقه صاحب الذنب من العتب والمؤاخذة ،” وَما تَأَخَّرَ “ يسترك عن عين الذنب حتى لا يجدك فيقوم بك، فاعلمنا بالمغفرة في الذنب المتأخر انه معصوم بلا شك. .. “ ( ف 3 / 153 ).

لم يفهم ابن العربي من الآية السابقة، وجود ذنب ومغفرته بل العكس رأى أن هذه الآية تؤكد عدم قيام الذنب، وحتى لا تفقد معناها فسرّها كعادته بالستر ( غفر - ستر ): فالحق غفر ما تأخر من ذنب محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) تعني بلغة ابن العربي ان الحق ستر محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) عن عين الذنب فلا يجده ليقوم به.

****

بعد ما اكد شيخنا الأكبر فيما تقدم مناقضة العصمة للذنب نجده هنا يؤالف بينهما، فالعصمة لا تنفي بالضرورة حدوث الذنب، بل تنفي استمرار وصف المذنب به، فالمعصوم قد يحدث عنه ذنب ولكنه ذنب له قابلية المغفرة، بل أكثر من ذلك يحمل في طياته بذور التبديل إلى حسنات.

وهذا يعني انه لا ينطوي كل ذنب على امكان المغفرة هذه، بل لا بد من صفات خاصة للمعصية حتى تتحول إلى حسنة.

ويطلق ابن العربي على هذه المعصية اسم: المعصية الحيّة.

وهي التي لا تحدث عن غفلة، بل يصاحبها حضوره ويفسر حدوثها قدر المذنب.

يقول ابن العربي:

“ ( 1 )وتسمع التنزيل ينادي: بلولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم 2 الآية إلى قوله: ضعف الحياة وضعف الممات. وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه 3، وكم في التنزيل من أشباه ذلك كقوله: عفا اللّه عنك لم أذنت لهم 4 ولقد تاب اللّه على النبي 5..

وإذا كان هذا الرسول، فمن المعصوم بعده ( صلى اللّه عليه وسلم ) ؟ “ ( بلغة الغواص ورقة 65 ).

“ ( 2 ) قلت [ الغوث ]: اي عصمة أفضل عندك ؟ قال [ الحق ]: عصمة التائبين “ ( الرسالة الغوثية ورقة 80 ب ).

“. .. وتكون المعصية بحضوره [ العارف ] فيها مع اللّه، حيّة ذات روح الهي يستغفر له إلى يوم القيامة، ويبدل اللّه سيئها حسنا كما بدل عقوبتها مثوبة. .. “ ( ف 2 / 652 ).

“ للعمل الصالح التبديل: فيبدل اللّه سيآته [ المسئ ] حسنات حتى يود لو أنه اتى جميع الكبائر الواقعة في العالم من العالم كله، على شهود منه عين التبديل “. ( ف 4 / 123 ).

****

يميز ابن العربي بين صورة “ المعصية “ وحقيقتها. فالمعصوم قد تظهر فيه صورة المعصية الا انه في الواقع لا اثر للمخالفة فيه، وهذا يعني ان المعصوم هو من تحقق بالافتقار المحض فلم يفارق عدمه الثبوتي في وجوده العيني 6.

بل بقي محلا تتقلب فيه الصور دون ان تؤثر فيه. فهذا العبد وان وقع منه معصية فلقدر استوجبها، فيأتيها عن شهود وحضور لا عن غفلة.

يقول ابن العربي:

“ واعلم أن المعصية لا تقع ابدا الا عن غفلة أو تأويل لا غير ذلك في حق المؤمن، وإذا وقع عين ذلك العمل من صاحب الشهود فلا يسمى معصية عند اللّه وان انطلق عليه لسان الذنب في العموم. ..

وهو في نفس الامر ليس بعاص:

مسئلة الخضر مع موسى في قتل النفس. .. هذا حال أهل الشهود: يشهدون

المقدور قبل وقوعه في الوجود فيأتونه على بصيرة، فهم على بينة من ربهم “ ( ف 4 / 125 ).

“ ان الحق. .. ينظر في شهود. .. المكلف فيراه ذا عبادة، والعمل تابع لها [ للعبادة ] فيه [ في العبد ]، وهو لا يتصف بالاعراض عن الاعمال ولا بالاقبال عليه، وانه على الحال الذي كان عليه في حال عدمه لم يتغير 7 فيبقيه على حاله ويحجب الغفلة عنه. ..

وهذه هي العصمة العامة: فإذا وقعت منه مخالفة فإنما تقع بحكم القضاء والقدر من تكوينهما فيه، كما وقعت الطاعة. ..

فإذا وقع منه ما وقع فهو من اللّه عين تكوين لذلك الواقع في هذا المحل، ظاهره صورة معصية. ..

وهي في نفس الامر عين تلك الواقعة موجود أوجده اللّه في هذا المحل. ..

فلا اثر لهذه المخالفة فيه كما لا اثر للطاعة فيه. ..

وانما ذلك: انشاء صور في هذا المحل. .. “ ( ف 3 / 540 ).

- - - - -

( 1 ) يراجع بشأن “ عصمة “ عند الحكماء والمتكلمين كتاب التهانوي:

الكشاف ج 4 ص ص 1047 - 1048 ( العصمة عند الحكماء والأشاعرة والخوارج والحشوية والمعتزلة والفقهاء ).

( 2 ) الآية 17 / 74 ،

( 3 ) الآية 6 / 116 ،

( 4 ) الآية 9 / 43 ،

( 5 ) الآية 9 / 117 ،

( 6 ) انظر “ عين ثابتة “ “ عدم “.

( 7 ) اي ان العبد هنا لم يفارق ثبوته العدمي.

ولكن الثبوت [ انظر “ ثبوت “ ] عند ابن العربي ينسحب على الموجودات كافة.

فماذا يميز هذا العبد عن غيره ؟ انه شهود هذا الثبوت.

ففي حين يشترك العبيد عامة في الافتقار وعدم مفارقة العدم، ينفرد هذ العبد بشهوده لهذا الافتقار وذاك العدم، فيسكن تحت مجاري الاقدار.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!