الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


386.  – الشجرة

في اللغة:

“ الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علوّ في شيء وارتفاع. ..

فالشّجر معروف، الواحدة شجرة وهي لا تخلو من ارتفاع وتداخل أغصان. ..

والشّجر كل نبت له ساق. .. وسميت مشاجرة لتداخل كلامهم بعضه في بعض. .. “ ( معجم مقاييس اللغة. مادة “ شجر “ ).

في القرآن:

ورد الأصل “ شجر “ في التنزيل بالمعنيين اللغويين السابقين:

 - شجر بين القوم الامر إذا اختلف وتشاجروا فيه.

قال تعالى :” فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيم شَجَرَ بَيْنَهُمْ “( 4 65 /).

 - بمعنى شجرة. قال تعالى :” الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ “( 36 / 80 ).

 - كما أن القرآن قد استعمل صورة الشجرة تشبيها. قال تعالى :” كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ “( 14 / 24 ).

عند ابن العربي:

* لقد استفاد ابن العربي من صفة التشاجر والارتفاع في الشجرة ليكني به عن الانسان الكامل.

ونذهب إلى ابعد من ذلك فنقول ان الشجرة بما تتمتع به من كونها وحدة ذاتية لاحظها ابن العربي، دفعته إلى تشبيه الانسان الكامل بها.

فالشجرة هي وحدة متكاملة في نوعها: فيها الجذر والساق والأغصان والأوراق والزهر والثمر، بل أكثر من ذلك فيها “ بذر “ شجر يتولد منها.

اذن هي كاملة في نوعها النباتي. وهذا على الأرجح ما دفع ابن العربي إلى تشبيه الانسان الكامل بها.

يقول ابن العربي:

“( 1 ) لا ترى انه ما وقع التحجير على آدم الا في الشجرة، اي لا تقرب التشاجر والزم طريقة انسانيتك. .. ولا تزاحم أحدا في حقيقته “ ( ف 2 / 218 ).

“ ( 2 ) الشجرة: الانسان الكامل “ ( الاصطلاحات ص 293 ).

“. .. تشبيه الانسان بالنبات من حيث ما هو شجر. .. “ ( ف 3 / 415 ).

“ فظهرت هذه الصورة المحمدية والشجرة الانسانية الجامعة الكلية. ..

وقال لسان حالها: غرستني يد الاحد.

في بستان الأبد. .. انا شجرة النور والكلام وقرة عين موسى عليه السلام. لي من الجهات اليمين الأنفس، ومن الأمكنة الواد المقدس، ولي من الزمان الآن، ومن المسالك خط الاستواء واعتدال الأركان 1. .. فانا الظل الممدود. .. وكلمة الوجود. .. جوامع الكلم، معدن الاسرار والحكم. “ ( تذكرة الخواص فقرة 57 ).

*****

وقد استخدم الشيخ الأكبر رمز الشجرة للدلالة على الكون، فإذا هو يرى أن الكون كله شجرة.

وقد تكلم على ذلك في براعة فنية وطريقة رمزية مفصلة بديعة.

يقول:

“ فاني نظرت إلى الكون وتكوينه وإلى المكنون وتدوينه، فرأيت الكون كله شجرة، وأصل نورها في حبة “ كن “ 2، قد لقحت كاف الكونية بلقاح حبة “ نحن خلقناكم “، فانعقد من ذلك البزر ثمرة قال تعالى :” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ “3 ،

وظهر من هذا غصنان مختلفان، اصلهما واحد وهو الإرادة وفرعها القدرة ،

فظهر عن جوهر الكاف معنيان مختلفان: كاف الكمالية” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ “4

وكاف الكفرية” فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ “5

وظهر جوهر النون: نون النكرة. ونون المعرفة.

فلما أبرزهم من العدم 6 على حكم مراد القدم، ورش عليهم من نوره، فام من اصابه ذلك النور فحدق إلى تمثال شجرة الكون، المستخرجة من حبة “ كن “ فلاح له في سرّ كافها تمثال” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ “7، واتضح له في شرح نونها” فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ8 “. .. وكان حظ كل مخلوق من كلمة كن ما علم من هجاء حروفها. .. “ ( شجرة الكون ص 2).

ثم لا يلبث ابن العربي ان ينساق مع رمزه إلى النهاية فيفرع على هذه الشجرة 9 المراتب الكونية بأجمعها: عالم الملك، عالم الملكوت، عالم الجبروت، العرش، النور المحمدي. .. كل ذلك بأسلوبه الرمزي الذي اقتطفنا منه الفقرة السابقة 10.

..........................................................................................

( 1 ) راجع مقدمة تذكرة الخواص بقلم روجر دولادرير ص 89 - 90، حيث يقارن بين هذه الشجرة المحمدية، والشجرة المباركة الزيتونة الواردة في القرآن.

( 2 ) الآيات 2 / 117، 3 / 47، 3 / 59، 16 / 40، 19 / 35، 36 / 82، 40 / 68 ،

( 3 ) الآية 54 / 49، ( 4 ) الآية 5 / 3 ،

( 5 ) الآية 2 / 253 ،

( 6 ) انظر “ عدم “. ( 7 ) الآية 3 / 100 ،

( 8 ) الآية 39 / 22

( 9 ) يراجع بخصوص “ شجرة “ عند ابن العربي:

- الفتوحات ج 3 ص 315، 420 - الاتحاد الكوني ق 143 ( الشجرة الكلية ).

كما يراجع في نفس الموضوع عند غيره:

- لطائف الاعلام ق 95 ب: “ الشجرة: يعنون بها. .. الانسان الكامل. .. ويطلقون

الشجرة على الأسماء الإلهية، لتشاجرها وتقابلها، كالغفور والمنتقم، والضار والنافع. .. “.

- طواسين الحلاج ( 3 / 6 - 7 ) ،

- شرح التجليات. نشر عثمان يحي المشرق، شرح التجلي رقم 73 بعنوان تجلي الشجرة يقول المصنف: “ الشجرة هي الانسان الكامل، مدبر هيكل الجسم الكل. وانما سمي بالشجرة، لانبعاث الرقائق المنتشرة منه إلى ما في سعة الوجوب والامكان من الأسماء والأجناس. .. فهو بحقيقته الجامعة ومرتبته الاحاطية، شجرة وسطية: لا “ شرقية “ وجوبية، “ ولا غربية “ امكانية. .. “ مجلة المشرق سنة 1967 ص 300 ،

- سر الاسرار. عبد القادر الجيلاني ص 26 ،

- التبر المسبوك الغزالي ص 12، 30 ،

- هنري كوربانTerre Celesteص 224 هامش رقم 3 ( يونغ ورمزية الشجرة ) .-Vocabulaire de Theologie Biblique art: Arbre

( 10 ) انظر المقال الذي كتبه الدكتور محمد مصطفى حلمي بعنوان: كنوز في رموز.

الفصل الثالث عنوانه: كنوز نورية محمدية في رموز حرفية نباتية.

الكتاب التذكاري محي الدين بن العربي ص ص 59 - 66 حيث يحلل في هذ الفصل كتاب شجرة الكون ورمزية الشجرة، وكيفية تفريع ابن العربي عنها للمراتب الكونية.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!