الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


385. - الشأن الإلهيّ

في اللغة:

“ الشين والهمزة والنون أصل واحد يدل على ابتغاء وطلب. .. ومن ذلك قولهم: ما هذا من شأني، اي ما هذا من طلبي والذي ابتغيه. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ شأن “ ).

في القرآن:

وردت كلمة شأن في القرآن في أربعة مواضع: ثلاثة منها أضافت الشأن إلى الانسان وموضع واحد نسبها إلى الجناب الإلهي.

- في اضافتها إلى الانسان لم تخرج في مفهومها عن معنى “ الحال 1 “ الآخذ بالاهتمام كله: فالشأن الانساني عبارة عن قبلة الهمّ الشاغلة في اللحظة الراهنة.

قال تعالى: ” وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً “( 10 / 61 ).

قال تعالى: " لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ “.( 80 / 37 )

قال تعالى: " فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ “( 24 / 62 ).

- اما الآية التي تضيف الشأن إلى الحق فقد ذهب فيها كل فريق مذهبه 2 .” يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ “. ( 55 / 29 ).

عند ابن العربي:

* ينتقل ابن العربي في الكلام من الشأن إلى صورته دون اشعار القارئ بذلك مما يجعله في حيرة من حقيقة معنى الشأن عنده: فهو مثلا في نصوص يفسر الشأن الإلهي بالاسم الإلهي. وفي نصوص أخرى يشير إلى أن الشؤون الإلهية هي: الممكنات. اذن:

( ) الشأن الإلهي: التجلي الدائم:

( 1 ) هو التجلي الإلهي الدائم بالوجود، فالحق شأنه ان يتجلى 3 مع الأنفاس في صور الكائنات ( راجع “ خلق جديد “ ).

( 2 ) ان هذا التجلي مداره الأسماء الإلهية 4، لان الحق يتجلى من حيث أسمائه في الوجود، لذلك يعبر ابن العربي بالاسم الإلهي عن الشأن الإلهي.

صورة الشأن الإلهي:

هي صورة التجلي الإلهي أو صورة الاسم الإلهي، فتكون بذلك: الممكن

[ وشؤونه 5 ] لأنه الصورة والمحل الذي يتجلى فيه الحق بأسمائه.

وهكذا تكون الشؤون الإلهية هي أحد وجهي الحقيقة الواحدة [ الوجه الخلقي ] اللذين عبر ابن العربي عنهما بالثنائيات التي برع في ابداعها:

الذات وأسماؤها - الذات وتجلياتها - الذات وشؤونها - الحق والخلق. ..

ب - اما شأن الممكن فهو: التغير. إذ ان الممكن لا يثبت على حال واحد نفسين فصاعدا ( انظر “ خلق جديد “ ).

صورة شأن الممكن: حاله ،

يقول الشيخ الأكبر

( 1 ) “ فبالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة [ انظر “ عين ثابتة “ ] من الثبوت إلى الوجود، وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات. ..

فشأن [ تعالى ]: التجلي، وشأن الموجودات التغيير بالانتقال من حال إلى حال. . .” كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ." ( 55 / 29 )

أحوال الهية في أعيان كيان بأسماء نسبية عينتها تغييرات كونية، فتجلي أحدي العين في أعيان مختلف الكون ( راجع كون ) “ ( ف 2 / 304 - 305 ).

“. .. فشؤون الحق هي أحوال المسافرين، يجدد خلقها لهم في كل زمان فرد، فلا يتمكن للعالم استقرار على حال واحدة وشأن واحد. .. فا في شؤون ابدا، فإنه لكل عين حال، فللحق شؤون، ولنا أحوال. .. “ ( ف 4 267/ )

“ قال تعالى عن نفسه :” كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ “[ 55 29 /]، فهو في شأن كل جزء من العالم بان يخلق فيه ما يبقيه، وتلك الشؤون أحوال المخلوق وهم المحال لوجودها فيهم، فإنه فيهم يخلق تلك الشؤون دائما.

والأحوال اعراض تعرض للكائنات من اللّه، يخلقها فيهم عبر عنها بالشأن الذي هو فيه دنيا وآخرة. هذا أصل الأحوال الذي يرجع اليه الإلهيات. “ ( ف 2 / 384 - 385 ).

( 2 ) “ اسرى به [ العبد ] الحق في أسمائه ليريه من آياته فيه، فيعلم انه المسمى بكل اسم الهي. .. وبها يظهر الحق في عباده وبها يتلون العبد في حالاته في

في الحق أسماء، وفينا تلوينات، وهي عين الشؤون التي هو فيها “.

( ف 3 / 344).

“ وتقلب العالم هو عين الآيات وليست غير شؤون الحق التي هو فيها، وقد رفع بعضها فوق بعض درجات لأنه بتلك الصورة ظهر في أسمائه، فعلمنا تفاضل بعضها على بعض “ ( ف 3 / 450 ).

****

نلاحظ من النصوص المتقدمة ان الشأن الإلهي أضحى مبدأ التغير في صور العالم، والأصل الذي ترجع اليه أحوال الممكنات. كما تقدمت إشارة الشيخ الأكبر بقوله “ هذ أصل الأحوال الذي يرجع اليه في الإلهيات “.

ولكن هذا المبدأ ما طبيعة وجوده ؟

عهدنا ابن العربي يرجع الحقيقة الوجودية في أول مرحلة إلى وجهين [ حق خلق ]، ثم في مرحلة ثانية يلغي أحد هذين الوجهين، أو على الأصح يضيفه إلى الأول على اعتبار انه نسبة مفقودة العين موجودة الحكم 6، ونراه يعتمد هذا الأسلوب في الشأن الإلهي فهو الوجه الثاني للحقيقة الوجودية الواحدة، وهو نسبة مفقودة العين موجودة الحكم، اذن طبيعته “ خيال “ لان “ الخيال “ لا يغير حقيقة الشيء، بل يظهره للناظر في صور متنوعة 7.

يقول ابن العربي:

“ فحكم الخيال مستصحب للانسان في الآخرة وللحق.

وذلك هو المعبر عنهما بالشأن الذي هو فيه الحق، من قوله: “ كل يوم هو في شأن “ فلم يزل ولا يزال وانما سمي ذلك خيالا لأنا نعرف ان ذلك راجع إلى الناظر لا إلى الشيء في نفسه، فالشيء في نفسه ثابت على حقيقته لا يتبدل، لان الحقائق ل تتبدل ويظهر إلى الناظر في صور متنوعة. ..

فلا تقبل الثبوت على صورة واحدة بل حقيقتها:

الثبوت على التنوع. .. فنقول قد تغير فلان من حال إلى حال ومن صورة إلى صورة، ولولا ما هو الامر على هذا لكان إذا تبدل الحال عليه لم نعرفه. .. “ ( ف 3 / 470 ).

..........................................................................................

( 1 ) ان كلمة “ حال “ غير واردة في القرآن. وان كان الشأن بالنسبة للانسان يعبر عنها.

( 2 ) يراجع في شرح الآية: - البيضاوي. أنوار التنزيل ج 2 ص 241.

- النسفي ج 4 ص 210 ،

نلاحظ في الشرحين السابقين يعتمد البيضاوي والنسفي شرح التنزيل بالحديث الشريف، الا ان المتصوفة أو غلت بمفهوم الشأن الإلهي. انظر التهانوي الكشاف ج 3 ص 787 طبعة خياط بيروت.

( 3 ) وقد اقتفى الجيلي اثر الشيخ الأكبر في “ الشأن “ يقول:

“ أيام الحق تجلياته وظهوره بما تقتضيه من أنواع الكمالات، ولكل تجل من تجلياته سبحانه وتعالى حكم الهي، هو المعبر عنه بالشأن ولذلك الحكم في الوجود اثر لائق بذلك التجلي، فاختلاف الوجود اعني تغيره في كل زمان انما هو اثر للشأن الإلهي “ ( الانسان الكامل ج 1 ص 63 ).

( 4 ) راجع “ تجلي “ “ اسم الهي “.

( 5 ) الشأن الإلهي يشمل الممكن وشؤونه من حيث إنه الأصل الذي يحفظ على هذا الأخير وجوده وأحواله ( شأن الممكن - حاله ).

( 6 ) راجع “ صفة “.

( 7 ) راجع “ خيال “.

****


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!