الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


312.  – الرّحمة

في اللغة:

“ الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة. ..

والرّحم، علاقة القرابة، ثم سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا، لان منها م يكون ما يرحم ويرق له من ولد. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ رحم “ ).

في القرآن:

بخصوص كلمة “ رحمة “ في القرآن نتبنى موقف الترمذي 1 الذي أورد عشر نظائر لها من سياق ورودها في التنزيل العزيز وهي:

 - النبوة

 - الاسلام. ..

 - الرزق. ..

 - النصر. ..

 - الفتح. ..

 - المودة. ..

 - العافية. ..

 - المطر

 - القرآن

الجنة  “ ( تحصيل نظائر القرآن ص ص -  ).

ويمكن ان نضيف إلى هذه النظائر: المغفرة. في قوله تعالى :” قُلْ ي عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ “[ 39 / 53 ].

عند الشيخ ابن العربي:

* الرحمة هي منح الوجود للموجودات. أو منح كل موجود وجوده الخاص به في الصورة التي تقتضيها طبيعته ذاتها.

حار قراء الشيخ ابن العربي المقربون في لمس الخيط الجامع بين كلمتي رحمة ووجود، وفي السببية التي اخرج بها الرحمة من دائرة الشفقة والرضى ( ناحية لغوية - خلقية ) لصبغها صبغة ميتافيزيقية ( رحمة - وجود ). ولإلقاء ضوء على هذه النقطة لا بد من الرجوع إلى بدء خلق العالم وايجاده كما يتصوره شيخنا الأكبر، فهناك مفتاح تلك النقلة.

ونكتفي من “ بدء الخلق “ بموقف واحد معين يبين مرادنا على أن نقتسمه بين طرفين ( طبعا قسمة اعتبارية، فكل ثنائية عند الشيخ ابن العربي هي تمييز اعتباري لا أكثر ): الذات الإلهية من ناحية والأسماء الحسنى من ناحية ثانية.

- اجتمعت الأسماء الحسنى في الحضرة الإلهية الذاتية، وبعدما اخذ كل اسم فيها مرتبته بدأت تتفاخر بحقائقها. ثم لم تلبث ان تعطشت إلى ظهور آثارها في الوجود، فلجأت مضطرة قاصدة إلى الذات الإلهية سائلة إياها وجود الكون الذي يظهر فيه حقائقها.

- ان الذات الإلهية رحمت 3 الأسماء وقبلت طلبها بوجود العالم وظهور أعيانها، وكان ذلك من حضرة الرحمة وفيض المنة 4.

ثم ينسحب هذا الموقف على كل الأعيان، من حيث إن لكل عين وجودا يطلبه من اللّه، فيرحمه اللّه بقبول رغبته في وجود عينه.

نستخلص من هذا “ الموقف “ ان:

 - الرحمة احتفظت بنشأتها اللغوية [ - رأفة، رضى ]، فالحق رأف بالأعيان، وقبل اي رضي بوجودها العيني.

 - رغم نشأة الرحمة اللغوية، يوحده الشيخ ابن العربي بنتيجتها، اي ان نتيجة رحمة الحق الأعيان هو: الوجود، اذن الرحمة هي الوجود، ومن هنا جاءت صيغتها الميتافيزيقية.

وهذه النقطة الأخيرة تترفع بالرحمة عن سذاجتها اللغوية لتعطيها صفات الوجود: من حيث سريانه في جميع الموجودات وقبوله لكل المتناقضات، حتى ما يخيل للناظر انه

يناقض الرحمة نفسها كالآلام مثلا. ولذلك ينتفي المفهوم الخلقي العادي المتعارف في موقف كهذا. وننتقل الآن إلى نصوص تثبت ما أوردناه في “ الرحمة “.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ( 1 )اعلم أن رحمة اللّه وسعت كل شيء وجودا وحكما، وان وجود الغضب من رحمة اللّه بالغضب. .. ولما كان لكل عين وجود يطلبه من اللّه، لذلك عمّت رحمته كل عين، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه، فأوجدها. .. ولا يعتبر فيها [ الرحمة ] حصول غرض ولا ملاءمة طبع. ..

كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا. .. وذكر 5 الرحمة الأشياء عين ايجاده إياها. فكل موجود مرحوم. .. واعلم أولا ان الرحمة انما هي في الايجاد عامة. .. “ 6 ( فصوص 1 / 177 - 178 ).

“ ( 2 ) فلا أقرب من الرحمة إلى الخلق لأنه ما ثم أقرب إليهم من وجودهم، ووجودهم رحمة بلا شك. .. “ ( ف 3 / 430 ).

“ وما ثم الا رحمة سابقة وغضب لا حق، ثم رحمة شاملة سارية في الكل فهي لاحقة سابقة.

فيغضب [ الحق ] ويرضى. فيعذب، رحمة لغضبه، ليزول الغضب. فانظر ما احكم تعذيبه كيف ادرج الرحمة فيه لإزالة الغضب، حتى يزول حكمه فتشمل الرحمة بنفسها من حقّت عليه كلمة العذاب، فبرحمته عذّب من عذب، لأنه لولا العذاب لتسرمد. .. الغضب. .. “ ( ف 4 / 70 ).

“ ولو لم تصحب الرحمة الإلهية العزة وتتنزه عن الشفقة ما عذّب اللّه أحدا من خلقه أصلا. .. “ ( ف 4 / 48 ).

“ فللرحمة تجل في صورة العذاب. .. ولها تجل في صورة النعيم. .. فقد قبلت الصورتين المتقابلتين وهذا من أعجب الأمور. .. “ 7 ( ف 3 497/ ).

بعد ما جردنا الرحمة من كافة صفاتها وأسمائها بغية بيان مضمونها، نرجع إلى دفق الأسماء هذا الذي يغمر الفتوحات وغيره من كتب الشيخ ابن العربي.

ولكن هذه الأسماء على كثرتها ترجع إلى رحمات اربع تنقسم إليها رحمة اللّه.

وهي: الرحمة الامتنانية - الرحمة الواجبة - الرحمة السابقة - الرحمة الخاصة.

كما اننا نضيف

ان الرحمة في الانسان تقسم إلى رحمتين: الرحمة الطبيعية - الرحمة الموضوعة.

فلتراجع كل من هذه “ الرحمات “ في أماكنها.

..........................................................................................

( 1 ) كما يراجع كتاب الأب نوياExegese coranique: ص 57 ( مقاتل: روح - رحمة ) ص 89 ( مقاتل: رحمة - نعمة )، ص 298 ( الرحمة عند الخراز ).

( 2 ) راجع “ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن “ مادة “ رحمة “.

( 3 ) يقول أبو العلا عفيفي في اثبات سببية بين الرحمة والوجود: “ ام الوجود ذاته الذي يمنحه لحق لأعيان الموجودات فكثيرا ما يشار اليه “ بنفس الرحمان “ أو “ النفس الرحماني “ ومن هنا جاء استعمال الرحمة بمعنى منح الوجود “ ( فصوص 2 / 20 ). يلاحظ من النص ان عفيفي يفسر مصطلحا مفردا ( رحمة ) بارجاعه إلى مصطلح مركب ( نفس الرحمان ) هو بحد ذاته أكثر غموضا، وقد كان الأولى ان يبحث عن علاقة سببية تربط الوجود بالرحمة وفي المرحلة الثانية يفسر المركب بالبسيط.

انظر “ نفس الرحمان “.

( 4 ) راجع “ عنقاء مغرب “ فصل: “ محاضرة أزلية على نشأة أبدية “ ص 33 - 36.

كما يراجع:

كوربانLimagination pp 86 - 92( 5 ) إشارة إلى الآية :” ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا “. ( 19 / 2 ).

( 6 ) انظر شرح المقطع في الجزء الثاني من الفصوص ص ص 243 - 249.

( 7 ) بخصوص رحمة عند الشيخ ابن العربي. فليراجع:

- الفتوحات ج 4 ص 4 ( دار الرحمة - دار الوجود )، ص 126 ( رحمة اللّه ).

ص 153 ( رحمة - رحمة ربانية )، ص 161 ( رحمة الهية ).

ص 163 ( الانسان - رحمة، وارث رحمة )، ص 200 ( رحمة الامتنان ).

ص 273 - 274 ( الرحمة - الخير المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة. .. )

- فصوص الحكم. فهرس الاصطلاحات الفنية مادة رحمة.

كما يراجع أيضا:

- منهاج العابدين الغزالي ص 79.

- تنبيه الغافلين السمرقندي ص 47.

- مواقف النفرى ص 8 ( الرحمانية ).

- مواقف الأمير عبد القادر الجزائري الموقف الحادي عشر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!