الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


221. - الخطاب الإلهيّ

في اللغة:

“ الخاء والطاء والباء أصلان: أحدهما الكلام بين اثنين، يقال: خاطبه يخاطبه خطابا، والخطبة من ذلك، وفي النكاح الطلب ان يزوج. .. والخطبة:

الكلام المخطوب به. .. واما الأصل الآخر فاختلاف لونين. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ خطب “ ).

في القرآن 2:

ان اللّه سبحانه وتعالى في القرآن ليس منعزلا في سمائه عن الخلق بل تمتد جسور دقيقة شفافة، مع عزّته، بينهما.

وعلى حين يكثر الجدل حول “ رؤية “ الحق.

فآيات القرآن صريحة بشأن كلامه وخطابه للبشر 3.

قال تعالى :” وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ “4 [ 42 / 51 ]

قال تعالى: ” وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً “[ 4 / 164 ].

عند الشيخ ابن العربي:

* ان الخطاب الإلهي للخلق واحد، تتغير عليه الأسماء بتغير: صفة المخاطب أو عالمه. فهو واحد من جانب الحق يتكثر بشروط المخاطب ( الخلق ):

قول - كلام 5 - محادثة - مسامرة - فهوانية. ..

- 1صفة المخاطب:

ان خطاب الحق يسمى قولا عندما يسمع المعدوم. ويسمى كلاما عندما يسمع الموجود.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الكلام والقول نعتان للّه، فبالقول يسمع المعدوم ،

وهو قوله تعالى” إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ “[ 16 / 40 ]

وبالكلام يسمع الموجود وهو قوله تعالى” وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً “[ 4 / 164 ]. . فالقول له اثر في المعدوم وهو الوجود، والكلام له اثر في الموجود وهو العلم 6. .. “ ( ف 2 / 400 ).

- 2عالم المخاطب والخطاب:

ان الحق يختص من يشاء من الخلق بخطابه في مطلق عالم يختاره، فتتكثر أسماء الخطاب الاحدى بتكثر عوالمه.

وسنشير إلى ثلاثة منها:

أولا - الفهوانية:

اشتقاق من قولهم “ فاه “ الرجل إذا تكلم. انفرد به الشيخ الأكبر 7

والفهوانية ترد عنده بصيغتين: الاسم. والصفة [ فهواني ].

في الصيغة الأولى تشير إلى: خطاب الحق مكافحة 8 في عالم المثال 9.

مثلا: كلمة الحضرة “ كن “ التي خاطب بها الحق الخلق قبل وجودهم هي قول فهواني، أو كلمة فهوانية.

وفي الصيغة الثانية: تقترب من الصفة المشتقة من عالم خطابها اي عالم المثال فتصبح مرادفه ل “ مثالي “ 10.

يقول الشيخ ابن العربي في شرح كلمة “ فم “ في ترجمان الأشواق:

“ ( 1 )من جانب الفم 11 اي من حيث الفهوانية واللسن ولذلك أعطى [ المقام العيسوي ] كن “ ( ترجمان الأشواق. ص 23 هامش 2 ).

“ ( 2 )الفهوانية. .. خطاب الحق مكافحة في عالم المثال “ ( ف 2 / 128 ).

“ انتشرت الرحمة من عين الوجود، فظهرت الأعيان في الوجود عن الكلمة الفهوانية، التي هي كلمة الحضرة. .. التي هي كن. .. “ ( كتاب التجليات ص 13 ) .” ولما أتاني الحق ليلا مكلما * كفاحا وأبداه لعيني التواضع “( الديوان ص 32 ).

ثانيا - المحادثة:

وهي خطاب الحق للعارفين من عالم الملك كالنداء من الشجرة لموسى - تفرّعت عن المشاهدة.

ثالثا - المسامرة:

وهي خطاب الحق للعارفين من عالم الاسرار والغيوب نزل به الروح الأمين على قلوبهم - وهي خصوص في المحادثة:

يقول الشيخ ابن العربي:

“ المسامرة. .. خطاب الحق للعارفين من عالم الاسرار والغيوب نزل به الروح الأمين على قلبك وهو خصوص في المحادثة، فان قلت وما المحادثة 12 ؟

قلنا:

خطاب الحق للعارفين من عباده من عالم الملك، كالنداء من الشجرة لموسى وهو

فرع عن المشاهدة 13 “. ( ف 2 / 132 ).

****

وكما تتكثر أحدية الخطاب الإلهي بشروط المخاطب. كذلك تتكثر بتكثر ظهوره في الطرق الموصلة إلى العبد: وحي 14 - من وراء حجاب - رسول.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ واما معرفة الخطاب الإلهي عند الالقاء فهو قوله تعالى” وَما كانَ لِبَشَرٍ 15أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا “ [ 42 / 51 ]

فاما الوحي من ذلك فهو ما يلقيه في قلوبهم على جهة الحديث. .. وام قوله تعالى” أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ “فهو خطاب الهي يلقيه على السمع لا على القلب فيدركه من ألقى عليه. .. واما قوله تعالى” أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا “فهو ما ينزل به الملك أو ما يجيء به الرسول البشري الينا إذا نقلنا كلام اللّه. .. فذلك ليس بكلام الهي. .. “ ( ف 3 / 332 ).

****

ان الوحدة الوجودية التي استأثرت بكيان شيخنا الأكبر الفكري، تقوده إلى توحيد كل المظاهر في الكون في صفة أو اسم الهي.

وكذلك كل المظاهر الصوتية في الكون من كل قائل هي خطاب أو كلام الهي.

فهو [ الحق ] المتكلم في ألسنة القائلين.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الاخبار الإلهية وهي على قسمين. ..

القسم الواحد: الخبر الإلهي الآتي من عند اللّه المسمى صحفا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا أو زبورا، وكل خبر اخبر به عن اللّه ملك أو رسول.

والقسم الآخر. .. كل خبر في الكون من كل قائل. .. ان الخطاب الإلهي العام في ألسنة القائلين من جميع الموجودات. .. قول الهي في نفس الامر وان كان ل يعلمه الا القليل 16. .. “ “ فتوحات 4 / 204 ).

..........................................................................................

( 1 ) جمعنا عدة مصطلحات تحت كلمة “ خطاب “ لأنه يشكل الخيط الذي يربط عدة مصطلحات هي في الواقع اشكاله ( المسامرة - المحادثة - الكلام - القول. .. ) ويشبه “ الخطاب “ مفهوم “ الحيوان “ - إذا أمكن قول ذلك - فهو غير موجود بذاته بل يوجد بأنواعه فنقول: أسد - هر. ..

- كما أنه في تعريف كل نوع ( الأسد. .. ) نقول: هو حيوان. .. كذلك في “ الخطاب “ نقول في تعريف كل شكل ( المسامرة. .. ): هي خطاب. ..

وهذا سيظهر فيما يلي ،

( 2 ) ان كلمة “ خطاب “ هي غير قرآنية ولكن نظرا لأنها عند الشيخ ابن العربي كذلك غير موجودة بذاتها بل باشكالها، نتبع هنا في هذه الفقرة الأسلوب نفسه ونبحث في آيات القرآن التي تورد الخطاب باشكاله ( الكلام. .. ).

( 3 ) لقد تكلم ابن القيم في مدارج السالكين على مراتب الهداية الخاصة والعامة العشر وهي:

التكليم - الوحي - ارسال الرسل - التحديث - الافهام - البيان العام - البيان الخاص - الاسماع - الالهام - الرؤيا الصادقة.

ونلاحظ اشكال الخطاب في هذه المراتب المتقدمة فلتراجع: ص ص 37 - 52.

( 4 ) ان هذه الآية تثبت كلام اللّه للبشر وتعدد اشكاله.

( 5 ) اما بخصوص موقف الشيخ ابن العربي الكلامي من كلام اللّه، فليراجع “ صفة “ “ كلمة “. كما يراجع:

- الفتوحات ج 2 ص 400 ،

- الفتوحات ج 4 ص 90.

( 6 ) يرى الشيخ ابن العربي ان “ الكلام “ مشتق من “ الكلم “ اي الجرح. يقول:

“. .. انما سمى الكلام لما له من الأثر في النفس من الكلم الذي هو الجرح. وسمى أيضا باللفظ لان اللفظ الرمي، فرمت النفس ما كان عندها مغيبا بالعبارة إلى اسماع السامعين. .. “ ( ف 4 / 431 ).

( 7 ) يؤكد عثمان يحي ذلك بقوله ان هذا الاصطلاح مبتكر للشيخ ابن العربي لا نعلمه لأحد من قبله انظر الفتوحات. السفر الثالث ص 119 هامش ( 2 ).

( 8 ) ان الفهوانية سماع خطاب الحق كفاحا. كما يشير الشيخ ابن العربي إلى رؤية صورة الحق كفاحا.

انظر الفتوحات ج 4 ص 19.

( 9 ) ويرى الجيلي ان الفهوانية عالم التمييز بين الحقائق. يقول:

“ ان الوجود كله بمجموعه شيء واحد وذلك هي واحدية الحق. فالحق هو الوجود المطلق ومن ها هنا يتجلى عليك سبحانه في كل موجود، لان الوجود من حيث هو وجود لازم لكل موجود بل هو عينه، إذ لا فرق بين الوجود والموجود الا في الفهوانية. وعلى الحقيقة هو عينه فالحق عين كل شيء وهو واحد على تعدد الأشياء. .. “ ( حقيقة اليقين. الجيلي. ورقة 8 ).

( 10 ) يراجع بخصوص الفهوانية عند الشيخ ابن العربي:

- الاصطلاحات ص 297 ،

- التجليات. ط حيدرآباد ص: 2، 3، 4، 13.

- ترجمان الأشواق ص: 23 - 49، 51، 65 ( هامش 2 )، 77 ( هامش 1 )، 85 ( هامش 2 ) 105 ( هامش 1 )، 113 ( هامش 1 )، 125 ( هامش 3 ).

- الانسان الكلي. ورقة 2 ب ،

- كتاب الميم والواو والنون ط. حيدرآباد ص 12 ،

- عقلة المستوفز ص 43 ،

- كتاب الحق. ورقة 29 ب، 32 - ب، 33 أ، 34 أ.

- كتاب الفهوانية ( انظرHist. et class. T 2 R. G. 412)

- الفتوحات ج 1 ص 213 ( المشافهة في الفهوانية )، ص 173، ص 185 ،

- الفتوحات ج 2 ص 585 ( الفهواني ).

( 11 ) يقول النابلسي في شرح لفظ “ الفهوانية “ من الصلاة الكبرى عند الشيخ الأكبر:

“ ( الفهوانية ) من قولهم فاه الرجل إذا تكلم، قال في القاموس، فاه به نطق كتفوه. وقال في المصباح فاه الرجل بكذا يفوه تلفظ به. .. “ ( ورد الورود. ورقة 20 - 21 ).

( 12 ) يراجع بشأن محادثة - مسامرة عند الشيخ ابن العربي:

- الاصطلاحات ص 291 مادة “ مسامرة “ ومادة “ محادثة “.

- رسالة لا يعول عليه ص 10 ،

- الفتوحات ج 3 ص 353 ،

( 13 ) ان الخطاب الإلهي عام في ألسنة القائلين كما سيتضح في المعنى الثالث للخطاب: ولذلك سماعه شهود.

( 14 ) راجع “ وحي “

( 15 ) انظر تعليق الشيخ ابن العربي بخصوص لفظ “ بشر “ في هذه الآية. كتاب التراجم ص 2 ،

( 16 ) راجع “ صفة “. المعنى الثالث. فيما يتعلق باحدية الوصف.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!