الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


188. الموقف الثامن والثمانون بعد المائة

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾[الإسراء: 17/ 12].

الليل كناية عن النفس العنصرية الظلمانية. والنهار كناية عن الروح العلوية النورانية. "آيتين" علامتين على الموجد تعالى وكمال اقتداره، وإطلاقه عن ظهوراته وتعيناته، ولو تقيّد بمظهر وتعيين لما ظهر وتعيّن بالضدّين، كالليل و النهار، والنفس والروح، مع تبا ينهما، و التغاير الذي بينهم وصفا، إذ العالم كلّه ظهوره وتعينه. وما عرف الحق إلاَّ بظهوره عين الضدّين، وتعينّه بالنقيضين. والنفس والروح ثابتان لكل إنسان.

﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾[الإسراء: 17/ 12].

هاتان آيتان دالتان على أنه تعالى يفعل بالإرادة والاختيار، فليس هو علّة يكون منه الفعل دون الترك؛ بل له الإيجاد والإعدام، بتبديل الأوصاف، فإنه يرحم بعض عباده، فيمحو آية ليلهم وهي أنفسهم الظلمانية الشهوانية السفلية، ومحوه بزوال حكمها، فلا يبقى لها حكم عليهم بظلمانيتها لتبّدل أوصافها بغلبة النور الروحي على ظلمتها، وإشراقه على عالمها، وإن بقيت عينها، لأن الضرر ليس في عينها، وإنّم هو في صفاتها، ويجعل آية نهارهم مبصرة، وهي روحهم العلوية القدسية، وجعلها مبصرة، هو بزوال قذى النفس الظلمانية، الذي كان يمنع ما في قوّتها من الإبصار، فخرج إلى الفعل بعد ما كان بالقوة، لأن الإبصار وجميع الكمالات ذاتي للأرواح، ولكن الموانع النفسية الظلمانية تمنع من ظهور كمالات الأرواح مادام الحكم والغلبة للنفس على البدن.

﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾[الإسراء: 17/ 12].

اللام لام العاقبة، إذ عاقبه من محيت آية ليله، وجعلت آية نهاره مبصرة أنه لا يبتغي فضلاً من الله إلاَّ بفضله، لا بشيء منه، لأنه عرف كيف هو الأمر باطناً، فهو يبتغي فضل الله بفضل الله، فإنه علم أنه ليس له من الأمر شيء.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!