الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


147. الموقف السابع والأربعون بعد المائة

قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾[الكهف: 18 / 110].

يرجو، يحب، فإنه لا يرجو إلاَّ محب، ولا يرجى إلاَّ محبوب.

لقاء ربّه ، رؤيته ومشاهدته ومكالمته ومسامرته في الدنيا قبل الآخرة.

فليعمل عملاً صالحاً، من قولهم : صلحت الثمرة إذا سلمت من العاهات والآفات. والعمل الصالح هو الذي لا شائبة فيه غير محض العبودية الذاتية، والمعبودية الذاتية الإلهية، فإن الإلهية من حيث هي هي لا تعبد، والمألوهية من حيث هي هي أهل لأن تعبد، فإذا كانت العبودية على مقتضى المرتبتين الألوهية، والعبودية، كانت مقبولة. وإن كانت على مقتضى العوارض والأغراض كانت مردودة على صاحبها.

﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾، من أعظم الآحاد النفس، فلا يجعل لها في العبادة نصيباً، كنيل ثواب، أو دفع عقاب، أو حصول درجة في الدني والآخرة، أو نيل ولاية، أو اكتساب حال من الأحوال السنيّة، فهذه كلها وما يشبهه تشريك في العبادة، مانعة من القبول عند المحققين، ومانعة من لقاء الربّ على الوجه المحبوب المراد. وأمّا اللقاء على كلّ حال فهو حاصل لكل أحد، لمن يرجو ولمن ل يرجو، ولكن إذا لم يحصل الشعور به، والمعرفة له، فماذا عسى ينفع اللقاء؟ كمن له مطلب مهمّ عند شخص وهو لا يعرف عينه، فبقي متعطشاً يطلبه، وذلك الشخص بحيث يراوحه ويغاديه كل يّوم، فماذا ينفعه ذلك؟

ومن الشرك الذي يشير إليه النهي في الآية إدخال النفس في العمل ورؤية أن لها دخلاً فيه بوجه من الوجوه ا لمؤثرة، فعلى العامل أن يرى أنه مفعول به ل فاعل، وأنه محرك لا متحرك، وأنه يقام به ويقعد ويركع به ويسجد. فإن قلت: فأين العبد وعمله؟! قلت: ألا يكفيه وجود اسم العبد ونسبة الفعل العدة التي أثبتها الشرع إليه؟! حسبه شرفاً أن يكون مفعولاً به، وأنه ظرف لما يخلقه الله فيه، فالمفعول به والمفعول فيه وهو المسمى ظرفاً هو الإنسان، وكل مخلوق نسب إليه فعل. و المفعول المطلق هو الفعل المنسوب إلى الإنسان، فإنه لا وجود له في الخارج أصلاً، وإنما هو أمر عقلي لأنه مصدر وهكذا جميع المصادر والمفعول له، وهو المفعول لأجله هو الحقيقة المحمدية كما ورد «لولاك ما خلقت الأفلاك».

ويصح أيضاً ولا يشرك بعبادة ربّه وإلهه الطالب لعبادته المتولي لتربيته، الأحد الذي هو اسم الذات من حيث هو غني عن العالمين، فإن الأحد لا يرب أحداً، ولا يطلب منه عبادة، وإن توجّه إليه عابد بعبادته مجرداً عن رتبة الربوبية و الألوهية، رمى به، وما قبله، بل يسحقه ويمحقه فإنه مقتضى الأحدية.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!